وغاب خبره عن الوليد، فلم يشك في هلاكه وهلاك الجيش الذي كان معه، لما كان يعلمه من طلاسم مصر ومكر كهنتها.
ثم اتصل به ان عبده قد ملكها، فسار إلى مصر وتلقاه العبد وعرفه أنه كان يسير إليه، وإنما أخره ما أراد من تعديل الملك وإصلاحه فقبل قوله.
ودخل مصر الوليد بن دومع العمالقي وملكها فاستباح أهلها وأخذ أموالها، وتتبع ما أمكنه الوصول إليه من كنوزها، وهبط إليه أيمن بالطاعة من الصعيد ومدنها سامعا له إذ كان عسكره من قبله، ومن أعانه بملكه وجيشه حتى أخذ بثأر خاله انداحس وتم الامر للوليد على أعظم أمر.
ثم سنح له ان يمشي حتى يقف على مخرج النيل، ويغزو من بناحيته من الأمم فأقام ثلاث سنين يستعد لذلك، حتى أصلح جميع ما احتاج إليه.
واستخلف عبده عونا على البلد وخرج في جيش كثيف، وعدد عظيمة، فلم يمر بأمة إلا أبادها.
فيقال انه أقام في سفره سنين كثيرة وأنه مر على أمم السودان وجاوزهم ومر على ارض الذهب، فوجد فيها مواضع فيها قضبان ثابتة وهي بلاد عانة.
ولم يزل الوليد يسير حتى بلغ البطيحة التي ينصب ماء النيل إليها من الأنهار التي تخرج من جبل القمر، وجبل القمر جبل شامخ عريض طويل، وإنما سمي جبل القمر لان القمر لا يطلع عليه لأنه خرج كثيرا عن خط الاستواء، ونظر إليه كيف يخرج النيل من تحته فيمر في طرائق كثيرة كالأنهار الرقاق، فيصير بعضها إلى حظيرة عظيمة يجتمع فيها، ويصير بعضها إلى حظيرة عظيمة، ثم يخرج من كل حظيرة نهر عظيم ينصب إلى حظيرة عظيمة يجتمع النهران فيها وهي البطيحة الكبيرة، وهي بعد خط الاستواء، وقبل الإقليم الأول، ويخرج من تلك البطيحة نهر واحد، ويجوز خط الاستواء ويجري إلى مصر ويمده نهر آخر من ناحية مكران يصب فيه عند أول جبل معظم في ثلث الإقليم الأول.