فيها من حجارتها ومعالمها، ووضع أساس مدينة عظيمة: وبعثت هي إليه مائة الف من الفعلة والخدم فأقام في بنيانها مدة طويلة حتى لفق فيها جميع ما كان معه من المال، وكلما وضع طول يومه من الحجارة في الأساس خرجت في الليل دواب من البحر فقلعته وأخربته وغيرته فكان في ذلك دهرا فاغتم لذلك غما شديدا وشغله الفكر فيها.
وكانت حوريا أنفذت إليه الف لبون من المعز ليشرب لبنها ويستعمله في مطبخه فدفعها إلى راع يثق به، وكان ذلك الراعي يطوف بها ويرعاها فيما هنالك، وكان إذا رجع عند المساء خرجت إليه من البحر جارية حسناء فتتوق نفسه إليها فإذا كلمها شرطت عليه أن يصارعها، فان صرعها كانت له وإن صرعته أخذت من تلك المعز اثنين، ثم يعود يوما آخر فيحمله حبه لها على الطمع في غلبتها فتصرعه وتأخذ اثنين، فبطول المدة نقصت المعز نحو نصفها، وتغيرت الباقيات منها لشغله بحب تلك الجارية عن الاهتمام برعيها، وتغير الراعي أيضا في جسمه ولونه، فمر به صاحبه في بعض الأيام، فوقف عليه.
فلما رأى الراعي متغيرا والمعز عجافا فسأله عن ذلك ورأى قلتها، فسأله عن نقصانها، فوصف له الراعي الامر على وجهه خوف سطوته، فقال له أي وقت تخرج؟ قال قرب المساء، فلبس هو ثياب الراعي، وتولى هو بنفسه رعاية المعز يومه إلى المساء.
وخرجت الجارية فعارضها، فشرطت عليه شرطها فأجابها، فلما تصارعا صرعها وقبض عليها وشد وثاقها، فقالت له إن كان ولا بد من أخذي فسلمني إلى صاحبي الأول، فإنه ألطف بي وقد عذبته زمانا طويلا فردها عليه، وقال له إذا خلوت بها فسلها عن هذا البنيان الذي بنيته فيزال من ليلته من يفعل ذلك؟ فان كان عندها علم منه فسلها إن كان في دفع ذلك حيلة ومضى وتركه معها.
فلما سألها عن ذلك قالت إن في البحر دواب تخرج كل ليلة فتنزع بنيانكم، قال لها فهل في دفع ذلك من حيلة؟ قالت نعم: فقال وما هي؟