قالت أعلمك كلاما تكتبه في قراطيس، وتربطه في حجارة صغار، فيدخل الرجال المصورون في مراكب صغار، ومعهم القراطيس والانقاس في وسط النهار إلى موضع كذا من البحر، ثم يقفون ويرمون القراطيس المكتوبة في الماء يمينا وشمالا، ثم يمكثون ساعة فلا تبقى دابة إلا أتت ذلك الموضع ودارت وظهرت فوق الماء، فيصور المصورون مثلها في تلك الراطيس، ويتحرون التشبيه ما قدروا، ويكثرون من تلك التصاوير ما أمكن، ثم يخرجون وتمثل أمثال تلك الصور من الصفر والنحاس والحجارة وتنصب أمام البنيان بينه وبين البحر.
فن تلك الدواب إذا خرجت ورأت تلك الاشكال هربت، فلم تعد إلى ذلك الموضع وعلمته الكلام حتى حفظه.
فار الراعي أول الصباح إلى صاحبه فعرفه الخبر، وكتب الكلام، ففعل الملك ذلك فانقطعت تلك الدواب، وتم البنيان، فبنى المدينة وأتمها وأكملها.
وقال قوم من أصحاب التاريخ إن صاحب البناء والمعز هو جيرون المؤتفكي كان قصدهم قبل الوليد، وأن الوليد أتاهم بعد حوريا فقهرهم وملك مصر.
وذكروا أن الأموال التي كانت مع جيرون نفدت كلها في تلك المدينة ولم يتم البنيان، فأمر الراعي أن يسأل تلك الجارية عن كنوز قريبة منهم.
فسألها فقالت إن في موضع كذا من المدينة التي خرجت ملعبا مستدبرا، حوله سبعة أعمدة على رأس كل عمود تمثال صفر قائم، فقرب لكل تمثال منها ثورا سمينا وألطخ العمود الذي تحته بدم الثور وبخره بشعرة من ذنبه وشئ من نحاتة قرنه وأظلافه، وتقول هذا قربانك فأطلق لي ما عندك، فإذا أنت فعلت ذلك فقس من كل عمود إلى الجهة التي يتوجه إليها وجه التمثال الذي فوقه مائة ذراع، واحفر، وليكن ذلك في امتلاء القصر واستقامة زحل، فإنك تنتهي إذا نزلت خمسين ذراعا إلى بلاطة عظيمة فالطخها بمرارة الثور واقلمها