وأقام قصي بمكة، حتى شرف وعز وولد له الأولاد.
وكانت حجابة البيت إلى خزاعة، وذلك أن الحجابة كانت إلى إياد، فلما أرادوا الرحيل عن مكة حملوا الركن على جمل، فلم ينهض الجمل، فدفنوه، وخرجوا، وبصرت بهم امرأة من خزاعة حين دفنوه، فلما بعدت إياد اشتد ذلك على مضر، وأعظمته قريش وسائر مضر، فقالت الخزاعية لقومها:
اشرطوا على قريش وسائر مضر أن يصيروا إليكم حجابة البيت، حتى أدلكم على الركن، ففعلوا ذلك، فلما أظهروا الركن صيروا إليهم الحجابة، فقدم قصي بن كلاب مكة، والحجابة إلى خزاعة، والإجازة إلى صوفة، وهو الغوث بن مر أخي تميم، وكان الحج وإجازة الناس من عرفات إليه، ثم صارت إلى عقبه من بعده، وبنو القيس بن كنانة ينسئون الشهور، ويحلون، ويحرمون، فلما رأى قصي ذلك جمع إليه قومه من بني فهر بن مالك، وحازهم إليه، فلما حضر الحج حال بين صوفة وبين الإجازة، وقامت معه خزاعة وبنو بكر، وعلموا أن قصيا سيصنع بهم كما صنع بصوفة، وانه سيحول بينهم وبين أمر مكة وحجابة البيت، وانحازوا عنه، وصاروا عليه، فلما رأى ذلك أجمع لحربهم، وبعث إلى أخيه من أمه دراج بن ربيعة العذري، فأتاه أخوه بمن قدر عليه من قضاعة، وقيل: وافى دراج، وقصي قد نصب لحرب القوم، ودراج يريد البيت، فأعان أخاه بنفسه وقومه، فاقتتلوا قتالا شديدا بالأبطح، حتى كثرت القتلى في الفريقين، ثم تداعوا إلى الصلح، وان يحكم ما بينهم رجل من العرب فيما اختلفوا فيه، فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن ليث ابن بكر بن كنانة، فقضى بينهم بأن قصيا أولى بالبيت وأمر مكة من خزاعة، وان كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه، وان ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية، فودوا خمسا وعشرين بدنة وثلاثين حرجا، وان يخلوا بين قصي وبين البيت ومكة، فسمي يعمر الشداخ.