قال الواقدي ولقد بلغني أن البطريق هربيس خلع ما كان عليه من الثياب والديباج والقى السلاح ولبس ثياب الصوف وخرج حافيا حاسرا ذليلا ومعه رجال من قومه حتى وقف بين يدي سعيد بن زيد فخر سعيد لله ساجدا وقال الحمد لله الذي أزال عنا الجبابرة وملكنا بطارقتهم وملوكهم ثم اقبل عليه وقال له ادن مني فدنا إلى أن جلس إلى جانبه وقال له أهذا لباسك دائما أم غيرته فقال لا وحق المسيح والقربان ما لبست الصوف ابدا غير الحرير والديباج وما لبست هذا الا في وقتي هذا فاني ما أريد حربكم ولا قتالكم ثم قال لسعيد هل لك ان تصالحني على أصحابي هؤلاء وعلى أهل المدينة ومن فيها فقال سعيد أما أصحابك هؤلاء فاني أوفيهم على شرط أن من دخل في ديننا فله ما لنا ومن اختار الإقامة على دينه والقى السلاح كان آمنا من القتل وعليه العهد انه لا يحمل علينا سلاحا ولا يكون لنا حربا ابدا واما المدينة فالأمير أبو عبيدة عليها وقد فتحها إن شاء الله تعالى ثم قال إن أحببت ان تسير معي إلى أبي عبيدة حتى يسمع كلامك وتصالح عن قومك فسر وأنت في ذمامي فان اتفق بينكما الامر والا رددتك إلى موضعك هذا ومن أراد الرجوع معك من رجالك إلى أن يحكم الله وهو خير الحاكمين فقال البطريق انا أفعل ذلك فعندها دعا سعيد بن زيد سعد بن أبي وقاص بن عوف العدوي وقال يا ابن أبي وقاص كن بشيرا للأمير أبي عبيدة بما سمعت واسرع بالجواب قال فأسرع ابن أبي وقاص بن عوف وركب جواده وكان حصانا شديد العدو وجعل يسير سيرا حثيثا حتى اشرف على الأمير أبي عبيدة رضي الله عنه ووقف بين يديه وسلم عليه وقال أصلح الله تعالى شأن الأمير أبشرك بأن البطريق هربيس قد أخذ الأمان من سعيد بن زيد وهو يريد أن يقبل به عليك يسألك الصلح والأمان له ولأهل مدينته فلما سمع الأمير ذلك سجد لله شكرا ورفع رأسه وقال أيها الناس تقدموا الآن إلى قتال أهل المدينة وأظهروا أسلحتكم عليها وكبروا تكبيرة واحدة لكي ترعبوا بها القوم قال ففعل المسلمون ذلك فارتجت المدينة وفزع أهل بعلبك وتداعوا للقتال وأحاط المسلمون بالمدينة من كل جانب وكان أول من سبق إلى المدينة وأعطاهم خبر البطريق المرقال ابن عتبة وقال حصنوا أنفسكم وأولادكم وأموالكم بالصلح فان أبيتم ذلك فقد وعدنا الله تبارك وتعالى على لسان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ان يفتح لنا بلادكم وأمصاركم وغيرها وان الله تعالى منجز أمره فلما سمع أهل بعلبك ذلك فزعوا فزعا شديدا واغبرت وجوههم ورعبت قلوبهم وكلت من الحرب أيديهم وقالوا أهلكنا البطريق وأهلك نفسه ولو كنا صالحنا العرب من قبل أن يوجد بنا هذا الحصار لكان خير لنا قال وشدد المسلمون عليهم القتال قال الواقدي فلما علم أبو عبيدة ان نيران الحرب قد أضرمت على المدينة أرسل إلى سعيد بن زيد يقول له أسرع بالبطريق الينا وله الأمان الذي أمنت أنت فنحن لا ننقض لك عهدا فلما ورد رسول أبي عبيدة على سعيد بن زيد استخلف
(١٤١)