فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٠٥
الطائي كنت يومئذ من أصحاب خالد بن الوليد رضي الله عنه ولم يزل مجدا في السير والله عز وجل يطوي لنا البعيد فلما كان عند غروب الشمس أشرفنا على القوم والروم كالجراد المنتشر قد غرق المسلمون في كثرتهم فقال خالد يا ابن أنيس في جانب أطلب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت له انه واعد أصحابه ان يلتقوا عند دير الراهب أو موعدهم الجنة قال الواقدي فنظر خالد نحو الدير فشاهد الراية الاسلامية وهي بن عبد الله بن جعفر وما من المسلمين الا من أصيب بجرح وقد ايسو من الحياة الفانية وطعموا في الحياة السرمدية والروم تناوشهم بالحرب وتكثر الطعن الضرب وعبد الله بن جعفر يقول لأصحابه دونكم والمشركين واصبروا لقتال المارقين واعلموا انه قد تجلى عليكم ارحم الراحمين ثم قرأ الآية قوله تعالى * (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين) * فلما نظر خالد رضي الله عنه إلى صبرهم وتجلدهم على القتال أعدائهم لم يطق الصبر دون ان حمل عليهم وهز رايته وقال لأصحابه دونكم القوم القباح فأرووا من دمائهم السلاح وأبشروا بالنجاح يا أهل حي على الفلاح قال الواقدي رحمه الله تعالى فبينما أصحاب عبد الله بن جعفر في أشد ما يكونون فيه إذ خرجت عليهم خيل المسلمين وكتائب الموحدين كأنهم الطيور وعليها الرجال كأنهم العقبان الكاسرة والليوث الضارية وهم عائصون في الحديد وقد ارتفع لهم الضجيج وبخيلهم العجيج فلما نظر عبد الله وأصحابه إلى ذلك ظنوا انها نجدة الأعداء فأيقنوا بالهلاك والفناء وجعلوا ينظرون إلى الخيل التي رأوها هي قاصدة إليهم ففزعوا وظنوا ان كمينا من الروم قد خرج لقتالهم فعظم عليهم الامر وقل منهم الصبر واخذهم البهر وقد لحق بالمشركين الدمار واتاهم حرب مثل النار والسيوف تلمع والرؤوس من الرجال تقطع والأرض قد امتلأت قتلى وهم في أيدي المشركين كالاسرى والقوم في أشد القتال والسيف يعمل في الرجال إذ نادى فيهم مناد وهتف بهم هاتف خذل الامن ونصر الخائف يا حملة القران جاءكم النصر من الرحمن ونصرتهم على عبدة الصلبان وقد بلغت القلوب الحناجر وعملت المرهفات البواتر وإذا بفارس على المقدمة كأنه الأسد الزائر أو الليث الهادر ويده تشرق بالأنوار كاشراف القمر فنادى الفارس بأعلى صوته أبشروا يا معاشر حملة القران بالنصر المشيد أنا خالد بن الوليد فلما نظر المسلمون الرباية وسمعوا صوت خالد رضي الله عنه كأنهم كانوا في لجه وأخرجهم فأجابوه بالتهليل والتكبير وكانت أصواتهم كالرعد القاصف والرياح العواصف ثم حمل خالد بن الوليد رضي الله عنه بجيش الزحف الذي لا يفارقه ووضع السيف في
(١٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 ... » »»