فتوح الشام - الواقدي - ج ١ - الصفحة ١٠٢
فجعلهم خمسة كراديس كل كردوس مائة فارس وجعل على كل مائة نقيبا وقال تأخذ كل مائة منكم قطرا من أقطار سوقهم ولا تشتغلوا بنهب ولا غارة ولكن ضعوا السيوف في المفارق والعواتق وتقدم عبد الله بن جعفر بالراية وطلع على القوم فنظر إلى الروم متفرقين في الأرض كالنمل لكثرتهم وقد احدق منهم بدير الراهب خلق كثير والراهب قد اخرج رأسه من الدير وهو يعظ الناس ويوصيهم ويعلمهم معالم ملتهم وهم اليه شخوص بابصارهم وابنة البطريق عنده في الدير والبطارقة وأبناؤهم عليهم الديباج المثقل بالذهب ومن فوقهم دروع وجواشن تلمع وبيض وهم ينظرون صيحة بين أيديهم أو طارقا يطرقهم من خلفهم ونظر عبد الله إلى الدير والى ما أحدق به والى الراهب وما حول صومعته فهاله ذلك من امرهم وصاح فيهم قبل الحملة وقال يا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم احملوا بارك الله فيكم فان كانت غنيمة وسرور فالفتح والسلامة ويكون الاجتماع تحت صومعة الراهب وان كان غير ذلك فهو وعدنا الجنة ونلتقي عند حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة قال وطلب عبد الله الجم العظيم فغاص فيهم وجعل يضرب بسيفه ويطعن برمحه ويحمل المسلمون من ورائه وسمع الروم أصوات المسلمين مرتفعة بالتهليل والتكبير فتيقنوا ان جيوش المسلمين قد أدركتهم وكانوا لذلك منتظرين وعلى يقظة من امرهم فأما السوقة فإنهم تبادروا إلى أسلحتهم والمتع عن أنفسهم وأموالهم وأخرجوا السيوف من الاغمدة وانعطفوا على قتال المسلمين عطفة الأسد الضاري وطلبوا صاحب الراية ولم يكن مع المسلمين راية غيرها فأحدقوا بالراية من كل جانب ومكان وقامت الحرب على ساق وثار الغبار وانعقد وأحدق الروم بالمسلمين فما كان المسلمون فيهم الا كشامة بيضاء في جلد بعير اسود وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرف بعضهم بعضا الا بالتهليل والتكبير وكل واحد مشتغل بنفسه عن غيره وقال أبو سبرة إبراهيم بن عبد العزيز بن أبي قيس وكان من السابقين والمتقدمين بايمانهم في الاسلام وصاحب الهجرتين جميعا قال شهدت قتال الحبشة مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وشهدت المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بدر وفي أحد وفي حنين وقلت اني لا اشهد مثلها فلما قبض الله صلى الله عليه وسلم حزنت عليه ولم أستطع ان أقيم بالمدينة بعد فقده فقدمت مكة فأقمت بها فعوتبت في منامي من التخلف عن الجهاد فخرجت إلى الشام وشهدت أجنادين والشام وسرية خالد خلف توما وهربيس وشهدت سرية عبد الله بن جعفر وكنت
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»