فأحضر، فقال: يا طالوت، أخبرني لو أن أباك أو ابنك ملك هذه الدار، أكنت فيها في الاكرام والبر على ما كنت أفعل معك؟ ألم أفعل كذا؟ ألم أمش في جنازة امرأتك، ورجعت معك إلى دارك؟ أفما رضيت إلا بسفك دمي؟ فقال الفقيه في نفسه: لا أجد أنفع من الصدق. فقال: إني كنت أبغضك لله فلم يمنعك ما صنعت معي لغير الله، وإني لمعترف بذلك، أصلحك الله. فوجم الخليفة وقال: اعلم أن الذي أبغضتني له قد صرفني عنك، فانصرف في حفظ الله، ولست بتارك برك، وليت الذي كان لم يكن، ولكن أين ظفر بك أبو البسام لا كان، فقال: أنا أظفرته بنفسي، وقصدته. قال: فأين كنت في عامك؟ قال: في دار يهودي، حفظني لله، فأطرق الخليفة مليا، ورفع رأسه إلى أبي البسام وقال: حفظه يهودي، وستر عليه لمكانه من العلم والدين، وغدرت به إذ قصدك وخفرت ذمته، لا أرانا الله في القيامة وجهه إن رأينا لك وجها. وطرده وكتب لليهودي كتابا بالجزية فيما ملك، وزاد في إحسانه، فلما رأى اليهودي ذلك، أسلم مكانه (1).
قال ابن مزين: وكان أهل طليطلة لهم نفوس أبية، وكانوا لا يصبرون على ظلم بني أمية، فإن ولاتهم كان فيهم ظلم وتعد، فكانوا يثبون على الوالي ويخرجونه، فولى عليهم الحكم عمروسا (2)، رجلا منهم. وكان عمروس داهية، فداخل الحكم، وعمل على رؤوس أهل طليطلة حتى قتل جماعة منهم.