وقبض على ناس كأبي كعب، وأخيه، ومالك بن يزيد القاضي، وموسى بن سالم الخولاني، ويحيى بن مضر الفقيه، وأمثالهم من أهل العلم والدين، في سبعة وسبعين رجلا، فضربت أعناقهم، وصلبوا.
وأضاف إليهم عميه كليبا، وأمية، فصلبا، وأحرق القلوب عليهم، وسار بأمرهم الرفاق، وعلم الحكم أنه محقود من الناس كلهم، فأخذ في جمع الجنود والحشم وتهيأ، وأخذت العامة في الهيج، واستأسد الناس، وتنمروا، وتأهبوا، فاتفق أن مملوكا (1) خرج من القصر بسيف دفعه إلى الصيقل، فماطله، فسبه، فجاوبه الصقيل، فتضاربا، ونال منه المملوك حتى كاد أن يتلفه فلما تركه، أخذ الصيقل السيف فقتل به المملوك، فتألب إلى المقتول جماعة، وإلى القاتل جماعة أخرى، واستفحل الشر، وذلك في رمضان سنة اثنتين ومئتين، وتداعى أهل قرطبة من أرباضهم، وتألبوا بالسلاح، وقصدوا القصر، فركب الجيش والامام الحكم، فهزموا العامة، وجاءهم عسكر من خلفهم، فوضعوا فيهم السيف، وكانت وقعة هائلة شنيعة، مضى فيها عدد كثير زهاء عن أربعين ألفا من أهل الربض، وعاينوا البلاء من قدامهم ومن خلفهم فتداعوا بالطاعة، وأذعنوا ولاذوا بالعفو، فعفا عنهم على أن يخرجوا من قرطبة، ففعلوا وهدمت ديارهم ومساجدهم، ونزل منهم ألوف بطليطلة، وخلق في الثغور، وجاز آخرون البحر، ونزلوا بلاد البربر، وثبت جمع بفاس، وابتنوا على ساحلها مدينة غلب على اسمها مدينة الأندلس، وسار جمع منهم زهاء خمسة عشر ألفا،