قال ابن حيان: وحين افتتح المسلمون قرطبة شاطروا أهلها كنيستهم العظمى، كما فعل أبو عبيدة وخالد بأعاجم دمشق، فابتنوا فيه مسجدا، وبقي الشطر بأيدي الروم إلى أن كثرت عمارة قرطبة، وتداولتها بعوث العرب، فضاق المسجد، وعلق منه سقائف، وصار الناس ينالون مشقة لقصر السقائف إلى أن أذخر الله فيه الاجر لصحيفة الداخل، وابتاع الشطر الثاني من النصارى بمئة ألف دينار، وقبضوها على ملا من الناس، ورضوا بعد تمنع، وعمل هذا الجامع الذي هو فخر الأرض، وشرفها من مال الأخماس، وكمل على مراده، وكان تأسيسه في سنة سبعين ومئة، فتمت أسواره في عام. وبلغ الانفاق فيه إلى ثمانين ألف دينار، فقال دحية البلوي:
وأبرز في ذات الاله ووجهه * ثمانين ألفا من لجين وعسجد وأنفقها في مسجد أسه التقى * ومنحته دين النبي محمد (1) ترى الذهب الناري بين سموكه * يلوح كلمع البارق المتوقد (2) وقال أيضا:
بنيت لأهل الدين بالغرب مسجدا * ليركع للرحمن فيه ويسجدا جمعت له الأكفاء من كل صانع * فقام بمن الله بيتا ممجدا فما لبثوه غير حول وما خلا * إلى أن أقاموه منيعا مشيدا