قال ابن مزين: فأشار أولا على الأعيان ببناء قلعة تحميهم، ففعلوا، فبعث إلى الخليفة كتابا بمعاملة منه، فيه شتمه وسبه، فقام له، وقعد، وسب وأفحش، وبعث للخليفة ولده للغزو، فاحتال عمروس على الأكابر حتى خرجوا، وتلقوه ورغبوه في الدخول إلى قلعتهم، ومد سماطا واستدعاهم، فكان الداخل يدخل على باب، ويخرج من باب آخر، فتضرب عنقه حتى كمل منهم كذلك نحو الخمسة آلاف، حتى غلا بخار الدماء وظهرت الرائحة، ثم بعث الحكم أمانا ليحيى بن يحيى الليثي.
مات الحكم سنة ست ومئتين في آخرها، وله ثلاث وخمسون سنة، وولي الأندلس بعده ابنه أبو المطرف عبد الرحمن، فلنذكره.
58 - عبد الرحمن بن الحكم بن هشام ابن الداخل، أمير الأندلس، أبو المطرف المرواني، بويع بعد والده في آخر سنة ست ومئتين، فامتدت أيامه، وكان وادعا حسن السيرة، لين الجانب، قليل الغزو، غلبت المشركون في دولته على إشبيلية، ولكن الله سلم.
كتب إليه عبد الملك بن حبيب الفقيه يحرضه على بناء سور إشبيلية، يقول له: حقن دماء المسلمين أيدك الله، وأعلى يدك بابتناء السور أحق وأولى. فأخذ برأيه، وجمع بينه وبين زيادة جامع قرطبة، وابتنى أيضا جامع إشبيلية على يد قاضيها عمرو بن عدبس، وكانت إشبيلية من ناحية الوادي بلا سور.