وعن ابن المواق: " لا خلاف أعلمه بين أعلمه بين أئمة الحديث في رد المجهول الذي لم يرو عنه إلا واحد، وإنما يحكى الخلاف عن الحنفية ".
وعن ابن رشيد قوله: " لا شك أن رواية الواحد الثقة تخرج عن جهالة العين إذا سماه ونسبه ".
هذه خلاصة ما في " فتح المغيث "، واقتصرت على حكاية الأقوال والمذاهب، وإليك البيان:
1 " - أما من لم يشترط في الراوي مزيدا على الإسلام: فلم أره مسمى، ولا أراه قريبا من مذهب أحد سمي إلا ابن حبان وشيخه ابن خزيمة، كما تقدم قريبا، لكنهما يشترطان في الراوي عنه أن يكون مشهورا غير ضعيف، فمذهبهما يتميز بهذين الشرطين.
2 " - وأما كونه مذهب الحنفية - في حكاية ابن المواق عنهم -: فهذا يحتاج إلى تفصيل، قال فخر الإسلام البزدوي رحمه الله في " أصوله " التي شرحها عبد العزيز البخاري في " كشف الأسرار " 1: 719:
" وأما العدالة: فإن تفسيرها الاستقامة، وهي نوعان: قاصر وكامل، 1 - أما القاصر: فما ثبت منه بظاهر الإسلام واعتدال العقل، لأن الأصل حالة الاستقامة، لكن هذا الأصل لا يفارقه هوى يضله ويصده عن الاستقامة، 2 - وليس لكمال الاستقامة حد يدرك مداه، لأنها بتقدير الله تعالى ومشيئته تتفاوت، فاعتبر في ذلك ما لا يؤدي إلى الجرح... والمطلق من العدالة ينصرف إلى أكمل الوجهين ".
فقول الحنفية بالعدالة القاصرة: مماثل لقول ابن حبان: " إن العدل من لم يعرف فيه الجرح.. "، لكن ابن حبان يحتج بحديث من هذا شأنه، أما الحنفية: فلا، قال عبد العزيز البخاري في شرحه المذكور:
" كشف الأسرار " الموضع المذكور: " وبهذه العدالة لا يصير الخبر حجة، لأن هذا الظاهر عارضه ظاهر مثله، وهو هوى النفس فإنه الأصل قبل العقل، وحين زرق العقل والنهى ما زايله الهوى، وإنه داع إلى العمل بخلاف العقل والشرع، فكان عدلا من وجه دون وجه..، فتردد الصدق في خبره بين الوجود والعدم من غير رجحان، فشرط كمال العدالة، وهو أن يكون مجانبا لمحظور دينه، ليثبت رجحان دليل العقل على الهوى، فيترجح الصدق في خبره ".
وأما الجهالة عندهم: فجهالة عداة، وجهالة في رواية الحديث بأن لم يعرف هذا المجهول إلا بحديث أو حديثين.
أما جهالة العدالة: فقال الكمال ابن الهمام في " تحريره " 2: 247: " مسألة. مجهول الحال - وهو المستور -: غير مقبول، وعن أبي حنيفة في غير الظاهر من الرواية عنه: قبول ما لم يرده السلف. وجهها: ظهور العدالة بالتزامه الإسلام ول: أمرت أن أحكم بالظاهر (1)، ودفع بأن الغالب أظهر، وهو الفسق ".
فأفاد أن المستور في مصطلح الحنفية يساوي مجهول الحال والعدالة في مصطلح المحدثين، وأفاد أيضا أن قبول روايته هو قول نقل عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله لكن في كتب النوادر التي هي غير كتب ظاهر الرواية، ومعلوم في أصول المذهب أن كتب ظاهر الرواية هي المعتمدة في المذهب، ولا يعتبر بما في سواها إلا إن نقل معه ترجيح من علماء المذهب، وهذا من ذاك، ونقل معه رده، كما ترى.