الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٤٩
الخطيب في " الكفاية " ص 89. فهما من حيث العدد اثنان، ومن حيث الوصف ثقتان، ومشى على هذا المتأخرون، ولا يكسبه ذلك عدالة عندهم.
لكن للأئمة المتقدمين الآخرين مذاهب أخرى مختلفة متعددة، لا بد من ملاحظتها واعتبارها، ومن الخطأ الكبير فهم كلامهم وتنزيل أقوالهم وأحكامهم على الرواة، على وفق ما اعتمده المتأخرون من كلام إمام واحد من المتقدمين، هو الإمام الذهلي، مع أن الواحد منهم قد تختلف إطلاقاته من راو إلى آخر، وهذا العلم كله علم (مصطلح) فلا بد من الوقوف على مصطلحات كل إمام على حدة، وتنزيل أقواله على وفقها.
وللحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى مقولة جيدة في " شرح علل الترمذي " 1: 81 - 85 في شرح مذاهب عدد من المتقدمين في إطلاق الجهالة، ومن الضروري الرجوع إليها، وتتبع آخر يضاف إليها، ليحصل شبه استقراء لمصطلحاتهم في هذه الكلمة.
ومما قاله ابن رجب - واستحسنه -: ما حكاه يعقوب بن شيبة، عن يحيى بن معين، قال له يعقوب: " متى يكون الرجل معروفا؟ إذا روى عنه كم؟ قال: إذا روى عن الرجل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم، فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سماك بن حرب وأبي إسحاق؟ قال: هؤلاء يروون عن مجهولين ".
فأفاد أن رواية اثنين ممن ينتقي الرجال عن راو: ترفع عنه الجهالة، كابن سيرين والشعبي، أما من يروي دون انتقاء: فلا، لذا قال ابن رجب: " وهذا تفصيل حسن، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذهلي الذي تبعه عليه المتأخرون ".
على أن ابن معين قد يوثق من لم يرو عنه إلا رجل واحد، كما تقدم نقله عنه قريبا ص 46 أول فقرة 25، وهذا ليس من قبيل التعارض، بل هو من باب اعتبار القرائن، فمن روى عنه واحد وشهدت القرائن عند ابن معين وغيره أنه ثقة: وثقوه، ومن ليس كذلك: وقفوا عند ظاهر أمره: فمن روى عنه واحد فقط، قالوا: مجهول العين، ومن روى عنه اثنان فأكثر - كل حسب اصطلاحه واعتباره - قالوا: معروف العين مجهول العدالة، وهكذا...
ثم ذكر ابن رجب أمثلة على المجهول والمعروف عند ابن المديني (1) وأبي حاتم وأحمد، واستظهر أخيرا:
" أنه لا عبرة بتعدد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة ورواية الحفاظ الثقات ".
ورواية الحفاظ الثقات: تنفع المجهول، لكنها لا تجعله ثقة: عدلا ضابطا، وقد تقدم ص 31 ما جاء في " فتح المغيث " 1: 298 أن " كثرة رواية الثقات عن الشخص تقوي أمره "، وأزيد هنا ما جاء في " الجرح والتعديل 2: 36 تحت " باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه ". قال ابن أبي حاتم: " سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة، مما يقويه؟ قال: إذا كان معروفا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولا نفعه رواية الثقة عنه. وقال: سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل، مما يقوي حديثه؟ قال: إي لعمري، قلت: الكلبي روى عنه الثوري! قال: إنما ذلك إذا
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»
الفهرست