وأراني لم أنته بعد من الحديث عن هذا الصنف من الرواة، ولا بد لي من إتمام الكلام عنه بالحديث عن نقطتين:
- مدى إمكانية الحكم على راو بأنه تفرد بالرواية عنه فلان فقط.
- التنبيه إلى مصطلحات خاصة في كلمة (مجهول) ونحوها.
أما النقطة الأولى: فإن طريق معرفة التفرد: أمر معلوم، هو التتبع والاستقراء، ثم إصدار الحكم، وهذا شأن الأئمة الموصوفين بأنهم أهل ذلك. إما أن يقوم بعملية التتبع رجل من أهل زماننا: فلا بد له من تقييد حكمه بأن هذا ما وصل إليه بحثه في الكتب المسماة: كذا وكذا...
وقد قال الإمام الذهبي - وهو من أهل التتبع والاستقراء بشهادة ابن حجر له في " شرح النخبة " ص 156 - في " تذكرة الحفاظ " 3: 948 في ترجمة الإمام أبي بكر الإسماعيلي صاحب " المستخرج على صحيح البخاري ": " صنف - الإسماعيلي - " مسند عمر رضي الله عنه "، طالعته وعلقت منه، وانبهرت بحفظ هذا الإمام، وجزمت بأن المتأخرين على إياس من أن يلحقوا بالمتقدمين ".
والذهبي الذي هو من أهل التتبع: سيأتي ما يتعلق به في هذه الجزئية.
فالحكم على أن فلانا لم يرو عنه إلا فلان - بهذا الحصر التام - شأن أئمة التتبع القدامى، أمثال ابن المديني وابن معين وأحمد والبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة..، ومع ذلك فسيمر بك في التعليقات أمثلة على الاستدراك عليهم دعواهم هذه، وأن إمكانية دعوى التفرد من إمام من أمثال من ذكرت: على خطر النقد والاستدراك، إلا إذا أخذت من هذا الإمام بالتسليم، وتناقلها جماعة العلماء دون استدراك عليها، لأن لسان حال الإمام الناقل لها الساكت عليها: موافق مسلم، وحينئذ يحكم بالاطمئنان على الرجل بالجهالة العينية.
وسبب صعوبة هذا الحكم وكونه على خطر الاستدراك: تفرق الرواة في الأمصار، وانتشار الأسانيد بانتشارهم. قال الحافظ في " التهذيب " 1: 4 وهو يتحدث عن هذا المعنى: " وسببه انتشار الروايات وكثرتها وتشعبها ".
ومن الأمثلة التي ستمر بالقارئ في التعليق - وبعضها جديد -:
1 " - قول ابن معين في رواية الدوري 2: 248 (3823) عن شبيب بن بشر البجلي: " لم يرو عنه غيره " أي: غير أبي عاصم النبيل، مع أن المزي رحمه الله ذكر في " تهذيب الكمال " خمسة رجال آخرين سوى أبي عاصم.
2 " - وأغرب من هذا ما حصل لابن معين نفسه أنه قال في رواية الدوري 2: 462 (4810) عن عيسى بن جارية الأنصاري: " لا يعلم أحد روى عنه غير يعقوب القمي " مع أنه قال عنه برقم (4825): " يحدث عنه يعقوب القمي وعنبسة قاضي الري ". وأما المزي فأوصلهم إلى خمسة!.