الكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة - الذهبي - ج ١ - الصفحة ٥٤
العدالة، وهو من أثبتنا وجوده بين صفوف الرواة وارتفعت عنه جهالته العينية، لكنا لم نعرف شيئا من حاله وعدالته، ثم مجهول الباطن، وهو من عرفنا ظاهره بالخير والصلاح، ولم تتبين لنا حاله الخاصة الداخلية، وهو المستور. والله أعلم.
ولا بد من التنبيه أخيرا إلى ثلاثة أمور:
أولها: أن من شرط الراوي الواحد الذي يثبت العدالة - عند ابن حبان - لمن يروي عنه: أن يكون مشهورا، كما جاءت عبارة ابن حجر في " اللسان " 1: 14. وكأنه يعني الشهرة بطلب الحديث والاعتناء به، كما سيأتي في نقل القاضي زكريا الأنصاري عن الإمام الذهبي.
أما إذا كان ضعيفا: فالا يفيد شيئا، كما صرح به ابن حجر في المصدر المذكور، وتبعه تلميذه السخاوي في " فتح المغيث " 1: 298.
ثانيها: قال الكمال ابن الهمام في " تحريره " 2: 253 - بشرحه - بعد أن حكى المذاهب في قبول حديث المجهول: " ومعلوم أن المقصود مع ضبط "، فنبه إلى ضرورة ضبط هذا الراوي المجهول، وهو - أي الضبط - شرط في كل راو، لكن حال هذا المجهول تقتضي التنبيه لمثل هذا، إذ يخشى منه عدم الضبط، لعدم معرفته.
ولسان حال ابن حبان مقر بهذا غير منكر له، ولا ريب.
ثالثها: أرجو القارئ الكريم أن يكون على ذكر من كلام شيخنا أحمد الصديق الذي تقدم بطوله ص 24، فإن فيه بيان أهمية الاختبار والاعتبار، وبالتالي مكانة الضبط، ويتبين منه أن الضبط عامة - في حق الراوي - وخاصة بالنسبة لحديث المبحوث فيه: إنما هو العمود الفقري للسنة، لذلك كان الضعف ينجبر إذا سلم نص الحديث، وإذا كان النص مختلا مضطربا لا ينجبر وإن رواه الثقات.
ولذلك كان التلقي بالقبول لحديث ما والعمل به: آية صحته، وإن كانت أسانيده التي وصلت إلينا ضعيفة، إما لأن الأئمة الذين تلقوه بالقبول وقفوا على أسانيد صحيحة لم تصلنا، وإما لأنهم رأوه تلائما مع (أحاديث الباب)، فحكموا على راويه - أو رواية - بالضبط له، أو لغير ذلك.
ومن هذا القبيل: ما نقله شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله في " فتح الباقي " 1: 299 عن الإمام الذهبي أنه قال: " كل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث، وأنه معروف بالعناية بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا، ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه: فهذا الذي عناه الحفاظ بأنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح. قال: ومن ذلك إخراج الشيخين لجماعة ما اطلعنا فيهم على جرح ولا على توثيق، فيحتج بهم، لأنهما احتجا بهم ".
قلت: الشق الأول من هذا الكلام يصلح أن يكون موضحا لقول الخطيب في " الكفاية " ص 88:
" المجهول عند أصحاب الحديث هو كل من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به... ".
والشق الثاني منه: يستفاد منه أن احتجاج صاحب الصحيح بحديث راو غير موثق - ولا مجرح - ينزل منزلة شهرته بين الحفاظ بالطلب وبالعناية به، لأنه لا يحتج إلا بمن يصلح الاحتجاج به عنده، وهذا التعليل - " لأنهما احتجا بهم " - يرشح لقول من قال: تفرد الثقة عن الراوي وتعديله له - أو تعديل إمام آخر له - يعتبر توثيقا للراوي كافيا.
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست