شرح السير الكبير - السرخسي - ج ٢ - الصفحة ٤٧٩
لما بينا أنهم أتوا من قبل أنفسهم حين اختاروا للترجمة خائنا، وليس في وسعنا أن نعلم حقيقة ما يخبرهم به الترجمان، إلا أن يستقر عند المسلمين الذين حضروهم أن الترجمان قال لهم غير ما في الكتاب. فان استيقن المسلمون بذلك فالقوم على أمانهم.
أرأيت لو كان أهل الحرب الذين أمناهم لهم لغات مختلفة، وكانوا قوما من العرب لهم لغة، فكلموهم بلغة غير لغتهم أو أعربوا في الكلام. فذكروا الغريب من اللغات فقالوا: لم نفهم اللغة، أينبغي أن نصدقهم على هذا ونحن نعلم أنهم من أهل المعرفة باللغة؟ لا نصدقهم على شئ من ذلك حتى نستيقن أنهم لم يفهموا. فإذا تيقنا بذلك فقد سقط اعتبار الظاهر باليقين، وكانوا هم على الأمان.
وكذلك إن كان أكبر الرأي منا أنهم لم يفهموا، لان أكبر الرأي بمنزلة اليقين فيما يبتنى على الاحتياط.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: لو أن مسلما جاء برجل من المشركين إلى الأمير وهم في المفازة (1)، وكانوا على حصن، حاصروه وقال: إني كنت أمنت هذا. فأتاني على أماني إياه، لم يصدق حتى يشهد شاهدان سواه أنه قد أمنه.
لأنه صار فيئا للمسلمين حين جاء به إلى الأمير، فإنه غير ممتنع منهم.
وهذا المسلم لا يتمكن من أن يؤمنه ابتداء، فلا يصدق فيما يقر به من أمانه.
وفى القياس للامام أن يقتله إن شاء بمنزلة غيره من المأسورين.
ولكن في الاستحسان له أن (2) يجعله فيئا، ولا يقتله (ص 160) لان احتمال الصدق في خبره يمكن شبهة مانعة من إراقة الدم.
وهذا لان حرمة قتل المستأمن من حق الله تعالى. وخبر الواحد فيما يرجع إلى أمر الدين حجة شرعا، خصوصا فيما لا يكون فيه إلزام على شخص بعينه، وهو منكر لذلك الخبر.

(1) ه‍ " الغازة " ب " المغارة " (2) ساقطة من ق
(٤٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 474 475 476 477 478 479 480 481 482 483 484 ... » »»