فعرفنا أن هذا لا يكون نقضا للايمان من المسلم، فكذلك لا يكون نقضا للأمان من المستأمن، ولكنه إن قتل إنسانا عمدا يقتل به قصاصا لأنه التزم حقوق العباد فيما يرجع إلى المعاملات.
420 - وإن قذف مسلما يضرب الحد.
لان فيه حق العبد أيضا، فإنه مشروع صيانة لعرضه. ولهذا تسمع خصومته في الحد، ولا تستوفى إلا به. فأما ما أصاب من الأسباب الموجبة للحد حقا لله تعالى، كالزنا والسرقة، فالخلاف فيه معروف أنه لا يقام عليه ذلك في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، خلافا لأبي يوسف.
421 - واستدل بصحة مذهبه هنا، بأن المسلمين اختلفوا في أهل الذمة هل تقام عليهم هذه الحدود. فقال أهل المدينة: لا يقام عليهم ذلك، ولكن يرفعون إلى حاكمهم ليقيمها عليهم. وذلك مروي عن علي رضي الله عنه. فاختلافهم في ذلك في حق الذمي، يكون اتفاقا منهم في حق المستأمن أنه لا يقام عليه. ونحن لم نأخذ بذلك في حق الذمي لورود النص. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر برجم اليهودي، ولكن ورود النص في الذمي، لا يوجب ذلك الحكم في حق المستأمن.
لان الذمي ملتزم أحكام الاسلام فيما يرجع إلى المعاملات، فإنه من أهل دارنا، فيقام عليهم الحدود كلها إلا حد الخمر، فإنه لا يعتقد حرمة شربه، وبدون اعتقاد الحرمة لا يتقرر السبب. فأما المستأمن فلا يصير من أهل دارنا ولا التزم شيئا من أحكامنا، وإنما دخل دارنا ليقضى حاجته، ثم يرجع إلى داره. ولهذا لا يمنع من الرجوع.