شرح السير الكبير - السرخسي - ج ١ - الصفحة ١٩٩
236 - فأما إذا جاء النفير عاما فقيل لأهل مدينة: قد جاء العدو يريدون أنفسكم أو ذراريكم أو أموالكم. فلا بأس بأن يخرج بغير إذن والديه.
لان الخروج في مثل هذه الحالة فرض عين على كل واحد. قال الله تعالى (انفروا خفافا وثقالا) (1). وما يفوته بترك هذه الفريضة لا يمكنه استدراكه، وما يفوته بالخروج بغير إذن الوالدين يمكنه استدراكه بعد هذا، فيشغتل بما هو الأهم، ولان الضرر في تركه الخروج أعم، فإن ذلك يتعدى إليه وإلى والديه وإلى غيرهم من المسلمين.
ولأنه لا يحل لوالديه أن ينهياه عن هذا الخروج فيكون له أن يخرج ليسقط به الاثم عنهما، ولا طاعة لهما عليه فيما كانا عاصيين فيه. ألا ترى أن رجلا لو قطع الطريق على رجل ليأخذ ماله أو ليقتله، أو أراد امرأة ليفجر بها، وهناك من له قوة على أنه يمنعه من ذلك فعليه أن يمنعه، وإن كره ذلك والداه لم يسعه أن يطيعهما في ذلك ولم يسعهما أن يمنعاه. لان هذا فرض عليه بعينه، وإنما يلزمه طاعة الوالدين فيما يكون موسعا عليه بين الاتيان والترك.
فأما ما يفترض عليه مباشرته بعينه فليس لوالديه أن يمنعاه من ذلك. أرأيت لو أريد (2) أحد والديه بشئ من ذلك فنهاه الوالد الآخر أن يعينه شفقة عليه أينبغي له أن يطيعه ويدع والده ينتهك حرمته؟
ذكر هذا على سبيل الاستقباح (3) لمراعاة إذن الوالدين فيما هو فرض عليه بعينه.
237 - قال: ولا ينبغي للعبد أن يجاهد بغير إذن مولاه ما لم

(1) سورة التوبة، 9، الآية 41.
(2) ب، أ " أراء ".
(3) ه‍ " الاستفتاح بمراعاة ".
(١٩٩)
مفاتيح البحث: الضرر (1)، سورة البراءة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»