والحاصل أن الامر بالجهاد وبالقتال نزل مرتبا. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم مأمورا في الابتداء بتبليغ الرسالة والاعراض عن المشركين قال الله تعالى {فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين} (1). وقال تعالى {فاصفح الصفح الجميل} (2).
ثم أمر بالمجادلة بالأحسن كما قال {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة} (3)، وقال {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} (4).
ثم أذن لهم في القتال بقوله {أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا} (5).
ثم أمروا بالقتال إن كانت البداية منهم بما تلا من آيات.
ثم أمروا بالقتال بشرط انسلاخ (6) الأشهر الحرم كما قال تعالى {فإذا (52 ب) انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين} (7).
ثم أمروا بالقتال مطلقا بقوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله، واعلموا أن الله سميع عليم} (8).
فاستقر الامر على هذا. ومطلق الامر يقتضى اللزوم، إلا أن فرضية القتال لمقصود إعزاز الدين وقهر المشركين.
فإذا حصل المقصود بالبعض سقط عن الباقين، بمنزلة غسل الميت وتكفينه (9) والصلاة عليه ودفنه. إذ لو افترض على كل مسلم بعينه،