تحضر وأوكل رجلا يقبض المال وأخرج، فإذا جلس إلى القاضي فادع عليه ما بقي لك من المال، فإذا أقر حبسه حفص وأخذت مالك، فرجع إلى مرزبان فسأله فقال:
انتظرني بباب القاضي، فلما ركب من الغد وثب إليه الرجل فقال: إن رأيت أن تنزل إلى القاضي حتى أوكل بقبض المال وأخرج، فنزل مرزبان فتقدما إلى حفص بن غياث فقال الرجل: أصلح الله القاضي لي على هذا الرجل تسعة وعشرون ألف درهم، فقال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: صدق أصلح الله القاضي، قال: ما تقول يا رجل فقد أقر لك؟ قال: يعطيني مالي أصلح الله القاضي، فأقبل حفص على المجوسي فقال: ما تقول؟ قال: هذا المال على السيدة، قال: أنت أحمق، تقر ثم تقول على السيدة! ما تقول يا رجل؟ قال: أصلح الله القاضي إن أعطاني مالي و إلا حبسته.
قال حفص: ما تقول يا مجوسي؟ قال: المال على السيدة، قال حفص: خذوا بيده إلى الحبس، فلما حبس بلغ الخبر أم جعفر فغضبت، وبعثت إلى السندي وجه إلى مرزبان، وكانت القضاة تحبس الغرماء في الحبس - فعجل السندي فأخرجه، وبلغ حفصا الخبر.
فقال: أحبس انا ويخرج السندي؟ لا جلست مجلسي هذا أو يرد مرزبان إلى الحبس، فجاء السندي إلى أم جعفر فقال: الله الله في، إنه حفص بن غياث وأخاف من أمير المؤمنين أن يقول لي: بأمر من أخرجته؟ رديه إلى الحبس وأنا أكلم حفصا في أمره، فأجابته مرزبان إلى الحبس فقالت أم جعفر: يا هارون قاضيك هذا أحمق، حبس وكيلي واستخف به، فمره لا ينظر في الحكم، وتولى أمره إلى أبي يوسف، فأمر لها بالكتاب، وبلغ حفصا الخبر فقال للرجل: أحضر لي شهودا حتى أسجل لك على المجوسي بالمال، فجلس حفص فسجل على المجوسي وورد كتاب هارون مع خادم له فقال: هذا كتاب أمير المؤمنين. قال: مكانك نحن في شئ حتى نفرغ منه، فقال:
كتاب أمير المؤمنين، قال: انظر ما يقال لك، فلما فرغ حفص من السجل أخذ الكتاب من الخادم فقرأه فقال: أقرأ على أمير المؤمنين السلام وأخبره أن كتابه ورد وقد أنفذت الحكم، فقال الخادم: قد والله عرفت ما صنعت!! أبيت أن تأخذ كتاب أمير المؤمنين حتى تفرغ مما تريد والله لأخبرن أمير المؤمنين. بما فعلت، فقال حفص: قل له ما أحببت، فجاء الخادم فأخبر هارون فضحك، وقال للحاجب: مر لحفص بن غياث بثلاثين ألف درهم، فركب يحيى بن خالد فاستقبل حفصا منصرفا من مجلس القضاء، فقال أيها القاضي قد سررت أمير المؤمنين اليوم، وأمر لك بثلاثين ألف درهم، فما كان السبب في هذا؟ قال: تمم الله سرور أمير المؤمنين، وأحسن حفظه