والقوم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه، ونهضوا عن المجلس.
ورد الحلاج إلى موضعه الذي كان فيه، ودفع حامد ذلك المحضر إلى والدي وتقدم إليه أن يكتب إلى المقتدر بالله بخبر المجلس وما جرى فيه، وينفذ الجواب عنها، فكتب الرقعتين وأنفذ الفتوى درج الرقعة إلى المقتدر بالله، وأبطأ الجواب يومين، فغلط ذلك على حامد ولحقه ندم على ما كتب به، وتخوف أن يكون قد وقع غير موقعه، ولم يجد بدا من نصرة ما عمله فكتب بخط والدي رقعة إلى المقتدر بالله في اليوم الثالث يقتضى فيها ما تضمنته الأولى ويقول: إن ما جرى في المجلس قد شاع وانتشر، ومتى لم يتبعه قتل الحلاج افتتن الناس به، ولم يختلف عليه اثنان، ويستأذن في ذلك، وأنفذ الرقعة إلى مفلح، وسأله إيصالها وتنجيز الجواب عنها وإنفاذه إليه، فعاد الجواب من المقتدر بالله من غد ذلك اليوم من جهة مفلح، بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله، وأباحوا دمه، فلتحضر محمد بن عبد الصمد صاحب الشرطة، وليتقدم إليه بتسلمه وضربه ألف سوط، فإن تلف تحت الضرب وإلا ضرب عنقه فسر حامد بهذا الجواب، وزال ما كان عليه من الاضطراب، وأحضر محمد بن عبد الصمد وأقرأه إياه، وتقدم إليه بتسلم الحلاج، فامتنع من ذلك وذكر أنه يتخوف أن ينتزع، فأعلمه حامد أنه يبعث معه غلمانه حتى يصيروا به إلى مجلس الشرطة في الجانب الغربي، ووقع الاتفاق على أن يحضر بعد عشاء الآخرة ومعه جماعة من أصحابه، وقوم على بغال موفكه يجرون مجرى الساسة، ليجعل على واحد منها ويدخل في غمار القوم، وأوصاه بأن يضربه ألف سوط فإن تلف حز رأسه واحتفظ به، وأحرق جثته، وقال له حامد: إن قال لك أجرى لك الفرات ذهبا وفضة فلا تقبل منه! ولا ترفع الضرب عنه، فلما كان بعد عشاء الآخرة وافى محمد بن عبد الصمد إلى حامد ومعه رجاله والبغال المؤكفة، فتقدم إلى غلمانه بالركوب معه حتى يصل إلى مجلس الشرطة، وتقدم إلى الغلام الموكل به بإخراجه من الموضع الذي هو فيه، وتسليمه إلى أصحاب محمد ابن عبد الصمد، فحكى الغلام أنه لما فتح الباب عنه وأمره بالخروج، وهو وقت لم يكن يفتح عنه في مثله، قال له: من عند الوزير؟ فقال محمد بن عبد الصمد، فقال:
ذهبنا والله. وأخرج وأركب بعض تلك البغال الموكفة واختلط بجملة الساسة، وركب غلمان حامد معه حتى أوصلوه إلى الجسر ثم انصرفوا، وبات هناك محمد بن عبد الصمد، ورجاله مجتمعون حول المجلس فلما أصبح يوم الثلاثاء لست بقين من ذي القعدة أخرج الحلاج إلى رحبة المجلس، وأمر الجلاد بضربه بالسوط، واجتمع من