يقول: ليس الحديث من عدة الموت. فقلت له: قد خرجت إلى أبي نعيم؟ فقال: أتوب إلى الله من ذهابي.
أخبرنا على بن عمر بن محمد الحربي الزاهد أخبرنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز حدثني أبي العباس بن محمد بن حيويه قال ذكر لنا إبراهيم الحربي عن سليمان ابن حرب. قال: مكثت دهرا أشتهي أن أرى بشر بن الحارث فلم يقدر لي - أو كما قال - قال فخرجت يوما من منزلي إلى المسجد، فإذا أنا برجل - أو قال بشيخ - كثير الشعر، طويل الشارب عليه أطمار - أحسبه قال مرقعة - معه جراب، وجهه إلى الحائط، فهو يدخل يده في الجراب فيخرج منه كسرا فيأكل. فقلت له: أنت من الجند؟ قال: لا. قلت: فأنت من خراسان؟ قال: أنا آوى بغداد. قلت فما جاء بك إلى هنا؟ قال: جئت إليك لأسمع منك حديثا حسنا في الموقف، قلت: الاسم؟ قال: وما تصنع باسمي؟ قلت: أشتهي أعرف اسمك، قال: أنا أبو نصر. قلت: الاسم أريد؟
قال: ليس أخبرك باسمي، وإن أخبرتك باسمي لم أسمع منك شيئا، قلت: أخبرني باسمك فإن شئت فاسمع وإن شئت فلا تسمع، قال: أنا بشر بن الحارث. قلت:
الحمد لله الذي لم يمتني حتى رأيتك - أو كما قال -. قال ووقفت عليه فجعلت أبكى ويبكي ثم جلست بين يديه فتحدثنا ساعة، ثم قلت له: يا أبا نصر أردت أن تدخل بلدا فيه فلا تنزل عندي، قال: ليس لي مقام، إنما كنت بعبادان. فقلت: يا أبا نصر كتبي كلها بين يديك. قال: السلام عليكم، وبكى وبكيت ومضى.
أخبرنا على بن محمد المعدل أخبرنا عثمان بن أحمد الدقاق حدثنا محمد بن علي حدثني محمد بن إبراهيم - هو ابن هاشم - حدثني أبي قال: قال بشر: لو أن رجلا كان عندي في مثال سفيان ومعافى ثم جلس اليوم يحدث ونصب نفسه، لتنقص عندي نقصانا شديدا. قال بشر: إني وإن أذنت للرجل وهو يحدث، فإنه عندي قبل أن يحدث أفضل كثيرا من كائن من الناس، وإنما الحديث اليوم طرق من طلب الدنيا، ولذة، وما أدرى كيف يسلم صاحبه، وكيف يسلم من يحفظه، لأي شئ يحفظه، قال بشر: وإني لأدعو الله أن يذهب به من قلبي، ويذهب بحفظه من قلبي، وإن لي كتبا كثيرة قد ذهبت، وأراها توطأ ويرمى بها فما آخذها، وإني لأهم بدفنها وأنا حي صحيح، وما أكره، ترك ذاك خير عندي. وما هو من سلاح الآخرة، ولا من عدد الموت.