والنفس لا تطمئن شهد الله بكلا حديثيه ولا بكونه ممن نادى يوم النحر ولا بكونه ممن حضر الموسم، ولا بشئ مما يرويه مطلقا والله على ما أقول وكيل (المبحث الخامس): في الإشارة إلى ما جنته الدعاية السياسية على الآثار النبوية وما اختلقته دجاجيلها تزلفا إليها وما روقوه ليشتروا به ثمنا قليلا وما افتأتوه من الأسانيد تثبيتا لحديث حميد عن أبي هريرة.
كان وضع الحديث على عهد معاوية حرفة منمقة يتجر بها كل متزلف إلى تلك الدولة وعمالها، وكان لأولئك المتزلفين المتجرين لباقة في تزويق تجارتهم وترويجها لا يشعر بها (على عهدهم) الا أولوا البصائر النافذة، والأحلام الراسخة - وقليل ما هم - وكان من ورائهم من يرفع ذكرهم من الخاصة ويروج حديثهم من حفظة السنن المستأجرين، وحملة العلم المتزلفين ومن المرائين بالعبادة والتقشف كحميد بن عبد الرحمان ومحمد بن كعب القرظي وأمثالهما، ومن زعماء القبائل في الحواضر، وشيوخ العشائر في البوادي، وكان هؤلاء كلهم إذا سمعوا ما يحدث به أولئك الدجالون روجوه عند العامة، وأذاعوه في رعاع الناس (من مسلمي الفتوحات بعد النبي) وخطبوا به على المنابر، واتخذوه حجة، واعتدوه أصلا من الأصول المتبعة، وكان الثقات الاثبات من سدنة الآثار النبوية لا يسعهم في ذلك العهد الا السكوت عن معارضة أولئك المتزلفين المؤيدين برعاية اولي الامر وعناية أهل الحول الطول، فكان المساكين إذا سئلوا عما يحدث به أولئك الدجالون يخافون - من مبادهة العامة بغيرها عندهم - ان تقع فتنة عمياء بكماء صماء، ولا سيما إذا كان الحديث موضوعا في فضل الصديق والفاروق، فكانوا يضطرون في الجواب إلى اللواذ بالمعاريض من القول خوفا من تألب أولئك المتزلفين ومروجيهم من الخاصة، وتألب من ينعق معهم من العامة ورعاع الناس، فضاعت بذلك حقائق، وحفظت أباطيل وكان هذا الباطل - أعني حديث حميد عن أبي هريرة - أوفرها حظا من كل