الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤٦
التحريم وصفات التحليل؟ فإن قالوا: نغلب التحريم احتياطا. قلنا لهم: ولم لا تغلبوا التحليل تيسيرا؟ لقول الله تعالى: * (يريد الله بكم اليسر) * وإن قالوا: نغلب التحليل، قيل لهم: وهلا غلبتم التحريم؟. ولقول الله تعالى: * (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) * فظهر بطلان قولهم وفساده، وبالجملة فليس تغليب أحد الوجهين أولى من الآخر، وقد قال تعالى: * (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام) * فنص تعالى على أن كل محرم ومحلل بغير نص من الله تعالى فهو كاذب ومفتر، وبالله تعالى التوفيق.
وأيضا: فلو كانت صفة شبه التحريم توجب التحريم، وصفة شبه التحليل توجب التحليل، لما وجد كلا الامرين في شئ واحد البتة، لأنه كان يجب من ذلك أن يكون الشئ حراما حلالا معا، وهذا حمق محال. فصح أن الشبه لا يوجب تحريما ولا تحليلا، كثرت الأوصاف بذلك أو قلت.
وقد أقدم بعضهم فقال: إن الله تعالى قال: * (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) * قالوا: غلب تعالى الاثم فحرمها.
قال أبو محمد: هذا من الجرأة على القول على الله تعالى بغير علم، وهذا يوجب إن الله تعالى اعترضه في الخمر والميسر أصلان: أحدهما المنافع، والثاني الاثم، فغلب الاثم، هذا هو نص كلامهم وظاهره ومقتضاه، وليت شعري، من رتب هذا الاثم في الخمر والميسر؟ وقد كانا برهة قبل التحريم حلالين لا إثم فيهما، وقد شربها أفاضل الصحابة رضي الله عنهم، وأهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وتنادم الصالحون عليها أزيد من ستة عشر عاما، في الأصل صح ذلك عن عبد الرحمن ابن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وحمزة، وأبي عبيدة بن الجراح، وسهيل بن بيضاء، وأبي بن كعب، وأبي دجانة، وأبي طلحة، وأبي أيوب، ومعاذ بن جبل، وعبد الله بن عمرو بن حرام، وغيرهم كلهم شربوا الخمر بعد الهجرة، واصطحبها جماعة يوم أحد ممن أكرمهم الله تعالى في ذلك اليوم بالشهادة، فهل أحدث الاثم فيها بعد أن لم يكن إلا الله تعالى؟ فأين قول هؤلاء النوكى: إن الله تعالى حرمها لأجل الاثم الذي فيها، أو لأجل الشدة والاسكار؟ وهل هذا إلا كذب بحت؟ وهل حدث الاثم إلا بعد حدوث التحريم بلا فصل؟ وهل خلط قط
(١٠٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 1046 1047 » »»
الفهرست