الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤٥
قال أبو محمد: وكل هذا فاسد باطل متناقض لأنه كله دعاوى باردة بلا دليل على صحة شئ منها ثم تسميتهم قياس الرقبة في الظهار على الرقبة في القتل أنه مفهوم، وليت شعري بماذا فهموه حتى علموا أنها لا تجزئ إلا مؤمنة؟ هذا وقد خالفهم إخوانهم من القائسين في ذلك من أصحاب أبي حنيفة، فلم يفهموا من هذا القياس العجيب ما فهم الشافعي والمالكي، وكل ما فهم من كلام فأهل اللغة متساوون في فهمه بلا شك، فصار دعواهم للفهم كذبا، ثم هلا إذا فهموا أن كلتا الرقبتين سواء، مشوا في قياسهم ففهموا أنه يجب التعويض من الصيام في القتل إطعام ستين مسكينا كالتعويض لذلك من صيام الظهار، كما تساوى التعويض من رقبتي الظهار والقتل، صيام شهرين متتابعين، فما هذا التباين في فهم ما لا تقضيه الآية ولا اللغة؟.
وأما قولهم: قياس العلة، وأن النبيذ مقيس على الخمر - فكذب مجرد بارد سمج، وجرأة على الله تعالى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر وكل مسكر حرام فساوى صلى الله عليه وسلم بين كل مسكر، ولم يخص من عنب ولا تمر ولا تين ولا عسل ولا غير ذلك، ثم أخبر أن كل مسكر حرام، فليست خمر العنب في ذلك بأولى من خمر التين، ولا خمر العنب أصلا وغيرها فرعا، بل كل ذلك سواء بالنص فظهر برد قولهم وفساده.
فإن قالوا: فهلا كفرتم من استحل نبيذ التين المسكر، كما تكفرون مستحل عصير العنب المسكر؟.
قيل له، وبالله تعالى التوفيق: إنما كفرنا من استحل عصير العنب المسكر لقيام الحجة بالاجماع، ولو استحله جاهل لم يعرف الاجماع في ذلك ما كفرناه حتى يعرفه بالاجماع، وكذلك لم نكفر مستحل نبيذ التين لجهله بالحجة في ذلك، ولو أنه يصح عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم كل مسكر على عمومه، ثم يستجيز مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم، لكان كافرا بلا شك وقد أفردنا بعد هذا بابا ضخما في إبطال قولهم في العلل، وبالله تعالى التوفيق.
وأما قولهم في موازنة صفات التحليل وصفات التحريم، فإنا نقول لهم: هبكم، لو سامحناكم في هذا الهذيان المفترى، وماذا تصنعون إذا تساوت عندكم صفات
(١٠٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 1046 1047 » »»
الفهرست