الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤٣
على ما خلقها الله تعالى عليه فقط، وهم يحرمون بعقولهم ويشرعون الشرائع بعقولهم، بغير نص من الله تعالى، ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا إجماع من الأمة، فهذا هو إبطال حجج العقول على الحقيقة، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بالموازنة يوم القيامة.
قال أبو محمد: وهذا من أغرب ما أبدوا فيه عن جهلهم، وهل هذا إلا نص جلي؟ وأي شئ من موازنة أعمال العباد؟ وجزاء المحسن بإحسانه، والمسئ بإساءته، والعفو عن التائب بعد أن أجرم، والعفو عن الصغائر باجتناب الكبائر، والمؤاخذة بها لمن فعل كبيرة وأصر عليها، مما يحتج به في إيجاب تحريم الأرز بالأرز متفاضلا، وهل يعقل وجوب هذا من موازنة الأعمال يوم القيامة، وجزاء الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة، وجزاء السيئة بمثلها، إلا مجنون مصاب.
وقالوا: أخبرونا عن قولكم بالدليل: أبنص قلتموه، أم بغير نص؟ فإن قلتم: قلناه بنص، فأروناه، وإن قلتم: بغير نص، دخلتم فيما عبتم من القياس.
قال أبو محمد: وقد أفردنا فيما خلا من كتابنا هذا بابا لبيان الدليل الذي نقول به فأغني عن ترداده، إلا أننا نقول ههنا جوابا لهم، وبالله تعالى التوفيق، ما لا يستغني هذا المكان عن إيراده وهو أن الدليل نقول: هو المقصود بالنص نفسه وإن كان بغير لفظه، كقول الله تعالى: * (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) * فبالضرورة نعلم أنه ليس بسفيه، ومثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر وكل خمر حرام فصح ضرورة من هذا اللفظ أن كل مسكر حرام. فدليلنا هو النص والاجماع نفسه، لا ما سواهما، وبالله تعالى التوفيق.
وقالوا: لا نص في ميراث من بعض حر وبعضه عبد، ولا في حده، ولا في ديته، فما تقولون في ذلك؟ وكذلك نكاحه وطلاقه والجناية عليه ومنه.
قال أبو محمد: وصاحب هذا الكلام كان أولى به أن يتعلم قبل أن يتكلم، وذلك أن النص ورد بعموم ميراث الأبناء والبنات والآباء والأمهات، والاخوة والأخوات، والعصبة والأزواج، فواجب ألا يخرج عن النص أحد فيمنع الميراث إلا بنص، والنص قد صح من حديث علي وابن عباس: إن المكاتب إذا
(١٠٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 1046 1047 » »»
الفهرست