الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤٢
ونقول: إن كل ما يوضع من الكلام في غير مواضعه التي وضعها الله تعالى فيها في الشرائع أو في غير المواضع التي وضعه فيها أهل اللغات للتفاهم فهو باطل وتحريف للكلم عن مواضعه، وتبديل له، وهذا محرم بالنص وتدليس بضرورة العقل، وكل ما كان من الكلام موضوعا في مواضعه التي ذكرنا فهو حق.
فإذ لا شك في هذا، فلم نحكم لشئ من الباطل بأنه باطل من أجل شبهه بباطل آخر، بل ليس أحد الباطلين أولى أن يكون باطلا من سائر الأباطيل، بل كل الأباطيل في وقوعها تحت الباطل سواء، ولا أحد الحقين أولى أن يكون حقا من حق آخر، بل كل حق فهو، في أنه حق، سواء مع سائر الحقوق كلها، وليس شئ من ذلك مقيسا على غيره. والقول مطرد هكذا بضرورة العقل في كل ما في العالم من الشرائع وغيرها فكذلك كل بر فهو بر، وكل تمر فهو تمر، وكل ما أشبه البر مما ليس برا، فليس برا، وكل ما أشبه الذهب مما ليس ذهبا فليس ذهبا، وكل ما أشبه الحرام مما لم ينه النص عنه فليس حراما، وهكذا جميع الأشياء أولها عن آخرها، فهذا الذي أتوا به مبطل للقياس لو عقلوا وأنصفوا أنفسهم، وبالله تعالى التوفيق.
وإنما عول القوم على التمويه والكذب والتلبيس على من اغتر بهم، فقالوا:
إن أصحاب الظاهر ينكرون تماثل الأشياء، ثم جعلوا يأتون بآيات وأحاديث ومشاهدات فيها تماثل أشياء. وهذا خداع منهم لعقولهم وما أنكرنا قط تماثل الأشياء، بل نحن أعرف بوجوه التماثل منهم، لأننا حققنا النظر فيها، فأبانها الله تعالى لنا، وهم خلطوا وجه نظرهم، فاختلط الامر عليهم، وإنما أنكرنا أن نحكم للمتماثلات في صفاتهما من أجل ذلك في الديانة بتحريم أو إيجاب أو تحليل، دون نص من الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم، أو إجماع من الأمة، فهذا الذي أبطلنا، وهو الباطل المحض، والتحكم في دين الله تعالى بغير هدى من الله، نعوذ بالله من ذلك، وقالوا أيضا: إن أصحاب الظاهر يبطلون حجج العقول.
قال أبو محمد: وكذبوا بل نحن المثبتون لحجج العقول على الحقيقة، وهم المبطلون لها حقا، لان العقل يشهد أنه يحرم دون الله تعالى، ولا يوجب دون الله تعالى شريعة، وأنه إنما يفهم ما خطب الله تعالى به حامله، ويعرف الأشياء
(١٠٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 1046 1047 » »»
الفهرست