الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤٠
لا يستحبون أن يصفوا بذلك خصومهم، فهم كما قال الشاعر:
ويأخذ عيب الناس من عيب نفسه مراد لعمري ما أراد قريب وأيضا: فإنه يقال لهم: إذا قلتم: إن كل شيئين اشتبها في صفة ما، فإنه يجب التسوية بين أحكامهما في الايجاب والتحليل وبالتحريم في الدين، فما الفرق بينكم وبين عكس من عليكم هذا القول بعينه، فقال: بل كل شيئين في العالم إذا افترقا في صفة ما، فإنه يجب أن يفرق أحكامهما في الايجاب والتحليل والتحريم في الدين؟.
فأجاب بعضهم بأن قال: هذا لا يجب دون أن يأتي بفرق.
قال أبو محمد: وهذا تحكم عاجز عن الفرق، ويقال له: بل قولك هو الذي لا يجب، فما الفرق؟.
وقال بعضهم: هذا قياس منكم، فإنكم ترومون إبطال القياس بالقياس، فأنتم كالذين يرومون إبطال حجة العقل بحجة العقل.
قال أبو محمد: فيقال لهم، وبالله تعالى التوفيق، لم نحتج عليكم بهذا تصويبا منا له ولا للقياس، لكن أريناكم أن قولكم بالقياس ينهدم بالقياس، ويبطل بعضه بعضا وليس في العالم أفسد من قول من يفسد بعضه بعضا، فأنتم إذا أقررتم بصحة القياس فنحن نلزمكم ما التزمتم به ونحجكم به، لأنكم مصوبون له، مصدقون لشهادته، وهو قولكم بالفساد وعلى مذاهبكم بالتناقض، أقررتم به أو أنكرتموه، وأما نحن فلم نصوبه قط، ولا قلنا به، فهو يلزمكم ولا يلزمنا، وكل أحد فإنما يلزمه ما التزم، ولا يلزم خصمه، كما أن أخبار الآحاد المتصلة بنقل الثقات لازم لنا للاحتجاج بها علينا في المناظرة، ولا نلزم من أنكرها، فمن ناظرنا بها لم ندفعه عما يلزمنا بها، وهذا هو فعلنا بكم في القياس.
وأما تشبيهكم إيانا في ذلك بمن جنح في إبطال حجة العقل بحجة العقل، فتشبيه فاسد، لان المحتج علينا في إبطال حجة العقل لا يخلو من أحد وجهين: إما أن يصوب ما يحتج به ويحققه فقد تناقض، أو يبطل ما يأتي به فقد كفانا مؤنته، ولسنا نحن كذلك في احتجاجنا عليكم بالقياس، لكنا نقول لكم: إن كان القياس حقا عندكم فإنه يلزمكم منه كذا وكذا، وليس يقول لنا المبطلون لحجج العقول هكذا، لكنهم محققون لما يحتجون به، فيتناقضون إذا حققوا ما أبطلوا، كما
(١٠٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1035 1036 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 ... » »»
الفهرست