الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٨
والثاني فرع، ولا أحدهما مردود إلى الآخر، ولا أحدهما أولى بأن يكون قياسا على الآخر، من أن يكون الآخر قياسا كزيد ليس أولى بالآدمية من عمرو، ولا حمار خالد أولى بالحمارية من حمار محمد، والغراب الأسود والسح ليس أحدهما أولى بالسواد من الآخر، وهذا كله باب واحد في جميع ما في العالم.
وكذلك الشرائع ليس بر بغداد بأولى بالتحريم في بيع بعضه ببعض متفاضلا من بر الأندلس، ولا سمن المدينة إذا مات فيه الفأر وهو مائع بأولى أن يهراق من سمن مصر، فهذا هو الذي لا شك فيه.
وأما ما يريدون من دس الباطل ومالا يحل جملة الواجب فلا يجوز لهم بعون الله تعالى إلا على جاهل مغتر بهم، أهلكوه إذ أحسن الظن بهم، وذلك أنهم يريدون أن يأتوا إلى ما ساوى نوعا آخر في بعض صفاته فيلحقونه به فيما لم يستو معه، وهذا هو الباطل المحض الذي لا يجوز البتة.
أول ذلك، أنه تحكم بلا دليل، وما كان هكذا فقط سقط، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعن المؤمن كقتله وكل مسلم يعلم أنه لا تشابه أقوى من تشابه أخبر به صلى الله عليه وسلم، فإذا لا شك في هذا، وصح يقينا أن لعن المؤمن كقتله وأجمعت الأمة، بلا خلاف، أن لعن المؤمن لا يبيح دم اللاعن كما يبيح القتل دم القاتل، ولا يوجب دية كما يوجب القتل دية فبطل قول من قال إن الاشتباه بين الشيئين يوجب لهما في الشريعة حكما واحدا فيما لم على اشتباههما فيه.
وبعد، فإن البرهان يبطل قولهم من نفس هذه المقدمة التي رتبوا وذلك أنه ليس في العالم شيئان أصلا، بوجه من الوجوه، إلا وهما مشتبهان من بعض الوجوه، وفي بعض الصفات، وفي بعض الحدود لا بد من ذلك، لأنهما في محدثان أو مؤلفات، أو جسمان أو عرضان، ثم يكثر وجود التشابه على قدر استواء الشيئين تحت جنس أعلى، ثم تحت نوع فنوع، إلى أن تبلغ نوع الأنواع الذي يلي الأشخاص، كقولنا: الناس، أو الجن، أو الخيل، أو البر، أو التمر، وما أشبه ذلك،
(١٠٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1033 1034 1035 1036 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 ... » »»
الفهرست