الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣٧
وهكذا القول في البئر وسائر ما وردت به النصوص، لأنه قد كانت هذه الأعيان موجودة آلافا من السنين ليس فيها شئ من هذا التحريم، ولا هذا الايجاب ولم تكن الأجسام قط خالية من حركة أو سكون، ولا كانت أجسام الناس على خلاف هذا الشكل الذي هم عليه والمشبه للشرائع بالطبائع مجنون أو في أسوأ حالا من الجنون لان من سلك سبيل المجانين وهو مميز فالمجنون أعذر منه.
ولو أنصفوا أنفسهم لعلموا أن الذي قالوا حجة عليهم، لان علمنا بأن أجسام الناس في الصين، وفيما يأتي إلى يوم القيامة، على هيئة أجسامنا هو كعلمنا بعد ورود النص، بأن كل بر في الصين والهند وكل بر يحدثه الله تعالى إلى يوم القيامة فحرام بيع بعضه ببعض متفاضلا.
وأما هم فإنه يلزمهم، إذ نقلوا حكم البر المذكور إلى التين والأرز، أن ينقلوا حكم أجسام الناس إلى أجسام البغال، فيقولوا: إن بغال الصين على هيئة أجسام الناس، لان نسبة الأرز إلى البر، كنسبة البغال إلى الناس ولا فرق وكل ذلك أنواع مختلفة.
ويلزمهم أيضا، إذا قاسوا الغائب على غير نوعه من الشاهد - أن يقولوا: إن الملائكة والحور العين لحم ودم، قياسا على الناس، وأنهم يمرضون ويفيقون ويموتون، وأن فيهم حاكة وملاحين وفلاحين وحجامين وكرباسيين، قياسا على الشاهد، وإلا فقد نقضوا وبطلوا قياسهم للغائب على الشاهد.
والحق من هذا أن لا غائب عن العقل من قسمة العالم التي تدرك بالعقل، ولا غائب عن السمع من الشريعة وبالله تعالى نعتصم وكل ذلك ثابت حاضر معلوم والحمد لله رب العالمين.
وقالوا: إن كل مشتبهين فوجب أن يحكم لهما بحكم واحد من حيث اشتبها.
قال أبو محمد: وهذا تحكم بلا دليل ودعوى موضوعة وضعها غير مستقيم والحقيقة في هذا أن الشيئين إذا اشتبها في صفة ما، فهما جميعا فيها مستويان استواء واحدا، ليس أحدهما أولى بتلك الصفة من الآخر، ولا أحدهما أصل
(١٠٣٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1032 1033 1034 1035 1036 1037 1038 1039 1040 1041 1042 ... » »»
الفهرست