الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٣١
فبمثل هذا الطبع علمنا أن كل رخص المجسمة فإنه يتغير بانكسار أو تبدل شكل إذا لاقى جسما صليبا، وبه علمنا أن كل نار في الأرض وفيما تحت الفلك فهي محرقة، لا بالقياس البارد الفاسد، وليس هذا في شئ من الشرائع البتة بوجه من الوجوه، لأنه لم تكن النار قط منذ خلقها الله تعالى إلا محرقة، حاشا نار إبراهيم لإبراهيم عليه السلام وحده، لا لغيره بالنص الوارد فيها، ولم يجز أن يقاس عليها غيرها، ولا كانت البيضة قط إلا متهيئة للانكسار إذا لاقت شيئا صلبا، وقد كان البر بالبر حلالا متفاضلا برهة من الدهر، وكذلك كل شئ من الشريعة واجب فقد كان غير واجب، حتى أوجبه النص، وغير حرام حتى حرمه النص، فليست ههنا شئ أن يجب أن يقاس عليه ما لم يأت بإيجابه نص ولا تحريم أصلا، وبالله تعالى التوفيق.
واحتجوا بأن قالوا: إن علمنا بما في داخل هذه الجوزة والرمانة على صفة ما إنما هو قياس على ما شاهدنا من ذلك، وإلا فلعل داخلهما جوهر أو شئ مخالف لما عهدناه، وكذلك أن في رؤوسنا أدمغة، وفي أجوافنا مصرانا، وأن هذا الصبي لم تلده حمارة، وأن الاحياء يموتون، إنما علمنا ذلك قياسا على ما شاهدنا.
قال أبو محمد: وهذا من أبرد ما موهوا به وما علم قط ذو عقل أن من أجل علمنا بأن ما في داخل هذه الرمانة كالذي في داخل هذه وأن في أجوافنا مصرانا، وفي رؤوسنا أدمغة، وأن الناس لم تلدهم الأتن، وأن الاحياء يموتون، علمنا أن الزيت ينجس إذا مات فيه عصفور، ولا ينجس إذا مات فيه مائة عقرب وأن التمرة بالتمرة حرام والتفاحة بالتفاحة حلال. وأن البئر إذ مات فيها سنور نزح منها أربعون دلوا فإن سقط فيها نقطة بول نزحت كلها. وأن من مس دبره انتقض وضوءه، وأن من مس أنثييه لم ينتقض وضوءه وهل بين هذه الوجوه والتي قبلها تشبيه؟.
وإن المشبه بين هاتين الطريقتين لضعيف التمييز، وتلك أمور طبيعية ضرورية تولى الله عز وجل إيقاعها في القلوب. لا يدري أحد كيف وقع له علمها. وهذه الاخر: إما دعاوى لا دليل عليها، وإما سمعية لم تكن لازمة ثم ألزم الله منها بالنص لا بالكهانة ولا بالدعوى.
(١٠٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1026 1027 1028 1029 1030 1031 1032 1033 1034 1035 1036 ... » »»
الفهرست