الاحكام - ابن حزم - ج ٧ - الصفحة ١٠٤١
تناقضتم أنتم في إبطالكم ما حققتموه من نتائج القياس، فطريقكم هي طريقهم.
ونحن نقول: إن هذا الذي نعارضكم به من القياس أنتم التزمتم حكمه، وهو عندنا باطل، كقولكم سواء بسواء، فإن التزمتموه أفسد قولكم، وإن أبيتموه فكذلك لأنكم تقرون حينئذ بإبطال ما قد صوبتموه، ولا فساد أشد من فساد قول أدى إلى التزام الباطل، وليس من يبطل قضايا العقل كذلك، لأنه لا يصح شئ أصلا إلا بالعقل أو بالحواس مع العقل، أو ما أنتج من ذلك، فمن أبطل حجة العقل ثم ناظر في ذلك بحجة العقل، فإن صححها رجع إلى الحق ودخل معنا، وإن أبطلها سقط القول معه، لأنه يقر أنه يتكلم بلا عقل، وليس القياس هكذا بإقراركم.
ويكفي من هذا: أن من رام إبطال حجة العقل بحجة فقد رام ما لا يجده أبدا، وحجة العقل لا تبطل حجة العقل أصلا، بل توجبها وتصححها، وكذلك من رام إبطال خبر الواحد بخبر الواحد، فإنه لا يجد أبدا خبرا صحيحا يبطل خبر الواحد. وهكذا كل شئ صحيح، فإنه لا يوجد شئ صحيح يعارضه أبدا، هذا يعلم ضرورة، ولو كان ذلك لكان الحق يبطل الحق، وهذا محال في البنية، وليس كذلك القياس لأنه يبطل بالقياس جهارا وبأسهل عمل، فصح أنه باطل، وهكذا كل باطل في العالم فإنه يبطل بعضه بعضا بلا شك.
وقال بعضهم: من الدليل على أن حكم المماثلين حكم واحد أن الله عز وجل قد تحدى العرب بأن يأتوا بمثل هذا القرآن وأعلم أنهم لو أتوا بمثله لكان باطلا، لان مثل الباطل لا يكون إلا باطلا، ومثل الحق لا يكون إلا حقا.
قال أبو محمد: هذا قول صحيح، وهو حجة عليهم، لان المشبه للباطل في أنه باطل هو بلا شك باطل، وبهذا أبطلنا القياس بالقياس، ورأينا أنه كله باطل، وليس ما أشبه الباطل في أنه مخلوق مثله، وأنه كلام مثله، يكون باطلا بل هذا حكم يؤدي إلى الكفر، لان الكفر كلام، والكذب كلام، والقرآن كلام، والحق كلام.
وليس ذلك بموجب اشتباه كل ذلك في غير ما اشتبه فيه يرومون.
وأيضا فهذا من ذلك التمويه الذي إذا كشف عاد مبطلا لقولهم بعون الله عز وجل، وذلك أننا لم ننكر قط أن ما وقع عليه مع غيره اسم يجمع تلك الأشخاص، فإنها كلها مستحقة لذلك الاسم، بل نحن أهل هذا القول.
(١٠٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 1036 1037 1038 1039 1040 1041 1042 1043 1044 1045 1046 ... » »»
الفهرست