كذلك بل انكشافه للمكلف لا يكون بحسب العادة الا باعمال نظر ولولاه لوقع المكلف في مخالفة الواقع كثيرا وهنا يختلف باختلاف الموارد فربما يتوقف العلم به على مجرد النظر وعدم إيجاد المانع عن فعلية الانكشاف مع حصول بقية مقدماته وهذا كما في موارد احتمال طلوع الفجر لمن كان على السطح بحيث لا يكون هناك مؤنة أخرى في فعلية حصول الانكشاف إلا مجرد النظر إلى الأفق وأخرى يتوقف العلم به على مراجعة الدفتر والحساب وهذا كما في موارد الشك في حصول الاستطاعة أو البلوغ إلى النصاب فإن العلم بهما غالبا لا يكون إلا بالمراجعة وحساب ما عنده ففي مثل هذه الموارد لا يمكن الرجوع إلى البراءة إلا بعد النظر لقصور الأدلة عن الشمول لها إذ نفس أدلة التكليف في تلك الموارد بعد الفراغ عن توقف فعلية انكشاف موضوعاتها على النظر في العادة تدل بالدلالة الالتزامية على وجوب النظر وتنجز التكليف على تقدير وجوده مع المسامحة بعدم النظر وان شئت قلت إن أدلة البراءة قاصرة عن الشمول لمثل هذا الجاهل الذي كان مقدمات العلم كلها متحققة عنده بحيث لا يكون هناك مؤنة أخرى غير النظر لانصرافها إلى غيره ممن لا يكون مقدمات العلم حاضرة عنده وكان محتاجا إلى تحصيله (ومما ذكرناه) يظهر ان الموضوعات التي يتوقف فعلية الانكشاف فيها على السؤال بحسب العادة كما في مواضع الشك في بلوغ المقصد إلى حد المسافة يجب السؤال فيها أيضا ولا يجوز الرجوع إلى الاستصحاب مع عدمه (وبالجملة) كل ما توقف الانكشاف عليه بحسب العادة بحيث لزم من تركه الوقوع في المخالفة كثيرا يجب مراعاته ثم الرجوع إلى الأصل نعم الفحص عن تلك الموضوعات بأزيد من ذلك مما لا يكون توقف فعلية الانكشاف عليه عاديا لا يكون بواجب ويجوز الرجوع مع تركه إلى البراءة واما (الثاني) وهو عدم جواز الرجوع إلى البراءة في الشبهات الحكمية إلا بعد الفحص واليأس عن الظفر بالدليل فقد استدل عليه بالأدلة الأربعة والعمدة في ذلك هو الأخبار الدالة على وجوب التعلم واستحقاق العقاب مع تركه وحكم العقل بوجوب الفحص عن احكامه المولى بعد فرض المولوية والعبودية وذلك لما بيناه في بحث العموم والخصوص من أن العقل يستقل بأن الوظيفة الربوبية إنما تقتضي تشريع الاحكام وبيانها بحيث لو تفحص العبد عنها لوصل إليها ولا يجوز له المطالبة بأزيد من ذلك كما أن الوظيفة العبودية تقتضي الفحص عن احكام مولاه التي يمكن الوصول إليها فكما ان عقاب المولى بعد فحص العبد وعدم الظفر بحكم المولى على مخالفة تكاليفه الواقعية
(٣٢٧)