قبيل المعدات. وفيما نحن فيه هذه العبادات معدات لهذه الآثار، فحال الصلاة مثلا بالنسبة إلى كمال النفس وصيرورتها بمثابة تنهى عن الفحشاء أو عروجها إلى مقام الترقي أو قربها إلى الحضرة الربوبية ليس أعظم من العلم بالمقدمتين بالنسبة إلى العلم بالنتيجة، فكما أن العلم بالمقدمتين والحركة الفكرية معدة لإفاضة الصورة العلمية من الباري تعالى، وذلك هو نور يقذفه الله في قلب من يشاء، كذلك هذه العبادات معدات ومهيئة للنفس إلى وصولها إلى مدارج الكمال بفضل الله وإفاضته. ومعلوم أنه يمكن أن يكون لشئ واحد معدات متعددة، فتأمل.
و (ثالثا) - أنه لو كان الجامع هو عنوان الناهي عن الفحشاء وأمثال ذلك من الجوامع العنوانية التي تنتزع من الشئ باعتبار ترتب أثر كذا عليه، فلا يمكن أن يرجع عند الشك في الجزئية أو الشرطية أو المانعية إلى البراءة، لان المأمور به - بناء على هذا - هي العبادة المعنونة بهذا العنوان المعلوم، فمتعلق التكليف معلوم، ويكون الشك في حصول هذا العنوان بإتيان الأقل، فيرجع الشك إلى الشك في السقوط لا الثبوت، والضابط في باب البراءة والاشتغال هو أنه متى كان الشك في أصل ثبوت التكليف بالنسبة إلى شئ، فيكون مجرى البراءة، ومتى كان مرجع الشك إلى الشك في السقوط بعد الفراغ عن ثبوته، فيكون مجرى قاعدة الاشتغال.
ولكن يمكن أن يجاب عن هذا الأخير بعد الغض عن الاشكالين المتقدمين بأن الجامع ليس هو نفس هذه العناوين الانتزاعية، بل هو المحكي عنه بهذه العناوين المتحدة مع جميع الافراد اتحاد الكلي الطبيعي مع مصاديقه، وذلك الكلي الجامع حيث أنه متحد مع هذه الافراد المركبة في الخارج، فيرجع الشك في جزئية شئ أو شرطيته أو مانعيته لذلك المركب إلى الشك في نفس ذلك الكلي باعتبار سعته أو ضيقه، وأنه ينطبق على الواجد لهذا المشكوك أو هو خارج عن دائرة انطباقه، و (بعبارة أخرى) يرجع الشك في أحد هذه الأمور إلى الشك في الثبوت الذي هو مجرى البراءة لا الشك في السقوط الذي هو مجرى الاشتغال.