وخطاب وجوب الجهر في الصلوات الاخفاتية مقيدا بعصيان ذلك الخطاب المطلق الأهم من جهة حدوث المصلحة في حال عصيان خطاب الأهم أو كونه ذا مصلحة من أول الامر ولكن لم يجعل وجوبه في عرض الأهم لعدم قدرة المكلف على الجمع وإدراك كلا الملاكين و عدم كون مصلحته بمقدار مصلحة الأهم، لا أنه هناك خطابان مطلقان مفاد أحدهما لزوم الجهر في القراءة ومفاد الاخر وجوب الاخفات فيها حتى يقال بأن هذين الخطابين متعارضان، لعدم إمكان جعلهما للزوم اللغوية وهو على الحكيم قبيح ومحال.
(قلنا): بعد ما علمنا أن ما هو المجعول صلاة واحدة في كل يوم، و تلك الصلاة اما جهرية واما إخفاتية وليس المجعول كليهما في صلاة واحدة في يوم واحد فالدليلان على فرض وجودهما يكونان متعارضين نعم لو علمنا بجعل ترتبي بأن يصرح بأنه أجهر في صلاتك و إن لم تجهر فأخفت مثلا يمكن مثل هذا الجعل في حد نفسه لولا الموانع الاخر التي سنذكرها إن شاء الله تعالى.
(الثاني) - أن الجهر والاخفات في القراءة من الضدين الذين لا ثالث لهما أو هما من قبيل العدم والملكة إذا قلنا بأن الاخفات عبارة عن عدم ارتفاع الصوت بحيث يسمع وعلى كل حال عدم أحدهما إما عين الاخر أو ملازم لوجود الاخر، وفي مثل هذا لا يمكن الترتب بحيث يكون عدم أحدهما شرطا وموضوعا للامر بالآخر، لان في ذلك الظرف يكون الاخر حاصلا لما ذكرنا من الملازمة فيكون طلبه من قبيل طلب الحاصل. وأما توهم أن إيجاد القراءة الجهرية مع القراءة الاخفاتية ليس من الضدين الذين لا ثالث لهما بل لهما ثالث وهو عدم إيجاد القراءة أصلا، فهو خلاف الفرض لان وجوب القراءة في الصلاة معلوم وليس مشروطا بشرط، وانما الكلام في الجهر بها و الاخفات كذلك (وبعبارة أخرى) القراءة المفروضة الوجود لقوله عليه السلام: (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب) تعلق الامر بالجهر أو الاخفات فيها، ومعلوم أن عدم أحد الضدين - الذين لا ثالث لهما في القراءة - ملازم لوجود