يبقى للوضوء ملاك ومصلحة بعد تزاحمه مع الواجب المطلق المشروط بالقدرة العقلية، فإذا لم يكن له ملاك ومصلحة فعصيان ذلك الامر لا يفيد ولا يحدث فيه مصلحة وملاك وقد عرفت أن الامر الترتبي لا يتعلق بشئ إلا بعد تمامية الملاك فيه (وبعبارة أخرى) الامر المشروط بالقدرة العقلية كالأمر بإعطاء الماء للعيال الواجب النفقة لا يبقي قدرة لما هو المشروط بالقدرة الشرعية وحيث أن القدرة الشرعية دخيلة في الملاك فإذا ذهب بالقدرة يذهب بالملاك أيضا بصرف فعلية الامر لا بامتثاله، ففي ظرف عصيان ذلك الامر المشروط بالقدرة العقلية أيضا لا ملاك لما هو المشروط بالقدرة الشرعية فلا يمكن تعلق أمر به لامتناع وجود الامر بدونه ولو كان ترتبيا، فلو اعترف شخص بأن الوضوء مشروط بالقدرة الشرعية فليس له أن يفتي بصحة الوضوء إذا عصى وجوب إعطاء الماء إلى من هو مشرف على الهلاك من العطش أو عصى إعطاء الماء للعيال الواجب النفقة وتوضأ لا بالامر الترتبي ولا بالملاك ولذا لم يفت الشيخ الأعظم الأنصاري (ره) وهكذا السيد الكبير الميرزا الشيرازي (قده) بصحة الوضوء في الفرض وليس هذا إلا من جهة ما قلنا من عدم مجئ الترتب في مثل المقام وعدم وجود الملاك فيه.
(التنبيه الثاني) عدم صحة الترتب في مسألة الجهر والاخفات بأن يكون الجهر واجبا مطلقا في الصلوات الجهرية، ويكون الاخفات واجبا على تقدير عصيان خطاب الجهر وهكذا الاخفات واجبا مطلقا في الصلوات الاخفاتية وعلى تقدير عصيان هذا الخطاب يكون الجهر أو الاخفات واجبا، وذلك لوجوه:
(الأول) - لما تقدم من أنه لو كان التضاد بين المتعلقين دائميا بحيث لا يمكن الاتيان بكلا المتعلقين معا دائما، فالدليلان الدالان على وجوب كلا الامرين يكونان متعارضين ويجب أن يعامل معهما معاملة تعارض الدليلين وذلك من جهة أن تشريع الحكمين الذين لا يمكن اجتماعهما في عالم الوجود دائما لغو، بل لا بد من تشريع التخيير بينهما