والجامع الملاكي يمكن تحققه في التخيير الشرعي أيضا إذ مناط كون التخيير عقليا هو الجامع الخطابي لا الملاكي كما سيجئ تحقيقه في محله إن شاء الله تعالى ولا شك في أن مقتضى الاطلاق - في دوران الامر بين التعيين والتخيير الشرعي - هو التعيين لما ذكرنا، و إن كان هذا الكلام أيضا لا يخلو من إشكال من جهة أن مرجع الاستنابة في الحقيقة إلى أن الواجب يسقط عنه بفعل النائب بجعل بدنه بدنا تنزيليا للمنوب عنه حتى يصير فعله من قبله لا إلى التخيير بين المباشرة والاستنابة لأنه من المعلوم أنه لا يسقط عنه بصرف الاستنابة ففي الحقيقة حال الاستنابة والتبرع واحد ومرجعهما إلى أن الوجوب يسقط عن المخاطب والمكلف بفعل النائب والمتبرع أم لا، فان علمنا بجواز الاستنابة والتبرع نعلم بالسقوط وأما في صورة الشك فالاطلاق يقتضي عدم سقوط الواجب عن المكلف بفعل الغير مطلقا سواء كان نائبا أو متبرعا.
هذا كله لو كان إطلاق في البين وأما لو وصلت النوبة إلى الأصول العملية لعدم الاطلاق فقيل بجريان البراءة لأنه بعد إتيان النائب أو المتبرع نشك في ثبوت التكليف في تلك الحالة فيكون مجرى للبراءة، وفيه أن قبل إتيان النائب أو المتبرع لا شك في توجه التكليف إلى المكلف فبعد إتيانهما يكون شكا في السقوط لا في الثبوت فيكون مجرى للاشتغال، لما ذكرنا مرارا من أن الضابط في باب الاشتغال هو الشك في السقوط، كما أن الضابط في باب البراءة هو الشك في الثبوت، وأنت خبير بأنه من أول الامر لا ندري بأن الوجوب مطلق أي يكون حتى في ظرف وجود فعل النائب أو المتبرع أو مشروط بعدم وجود فعل النائب أو المتبرع أو ليس الوجوب في ظرف وجود فعل أحدهما بناء على أنه يلزم من الاشتراط محذور الدور كما سيجئ تحقيقه في بيان حقيقة الواجب التخييري إن شاء الله تعالى ففي ظرف وجود فعل أحدهما الوجوب مشكوك الثبوت من أول الامر لا مشكوك السقوط فيكون مجرى للبراءة.
ثم أنه هل يجري الاستصحاب في المقام بأن يقال قبل وجود فعل النائب أو المتبرع كان وجوب متوجه إلى المكلف قطعا وبعد وجود فعلهما أو أحدهما نشك في