(تذييل) قد تقدم في الامر الأول - من الأمور التي رتبناها لتنقيح هذا البحث - ان أحد معاني التعبدي والتوصلي. هو أن الواجب التعبدي عبارة عن الواجب الذي تعتبر فيه المباشرة والإرادة، وأن يكون امتثاله بفعل المباح لا المحرم، والتوصلي بخلاف ذلك في كل ذلك، فإذا علمنا بأن الوجوب من أي واحد من القسمين فهو، وإن شككنا في أنه من أي واحد منهما، فهل مقتضى الاطلاق اللفظي هو أي واحد منهما.
وعلى تقدير عدم الاطلاق، فما ذا يكون مقتضى الأصول العملية؟
يحتاج تنقيح المقام إلى التكلم في مقامات ثلاثة:
(الأول) - في أنه هل مقتضى الاطلاق هو لزوم المباشرة أو عدمه؟ وعلى تقدير عدم الاطلاق، فما ذا يكون مقتضى الأصول العملية؟ فنقول: لا شك في أن مقتضى ظهور هيئة الخطاب والامر هو صدور المادة عن نفس المخاطب. وأما كفاية صدورها عن الغير بالاستنابة أو بالتبرع، فيحتاج إلى مجئ دليل على سقوطه أي الفعل عنه بفعل النائب أو المتبرع. واما أن كل ما تتطرق فيه النيابة يتطرق فيه التبرع أو ليس كذلك كبعض فروع الجهاد، حيث يمكن فيه النيابة، ولا يمكن فيه التبرع، فللبحث عنه محل آخر. وأما إذا لم يكن دليل في البين على جواز الاستنابة أو التبرع، فمقتضى الاطلاق هو عدم جواز الاثنين، لان الاطلاق يدفع ثبوت كل ما يحتاج ثبوته في مقام البيان إلى مئونة زائدة. وقد يكون الاطلاق موجبا لضيق دائرة الانطباق، وإن كان في الأغلب يوجب سعة دائرة انطباق المطلق.
ولذلك قالوا: إن إطلاق الوجوب يقتضي ان يكون نفسيا عينيا تعيينيا، إذ بيان مقابل كل واحد من هذه الثلاثة - في مقام الاثبات - يحتاج إلى مئونة زائدة، فالاطلاق يدفعه وان كان موجبا لضيق انطباق دائرة المطلق. ولا شك في أن الاستنابة ترجع إلى تخيير المكلف بالتخيير الشرعي بين ان يأتي بالمتعلق مباشرة أو يستنيب و ليس التخيير عقليا لعدم جامع خطابي في البين حتى يكون ذلك الجامع موردا