وجوب الاتباع حدوثه يوجب الحدوث وبقائه يوجب البقاء، ولا يوجب ترتيب آثار ذاك الوجوب إلى الأبد حتى عند حصول اليقيني بالخلاف، أو قيام الامارة عليه، فهو نظير اليقين فإنه ما لم يكن زائلا يجب ترتيب الأثر عليه واتباعه عقلا، وأما إذا زال فلا يبقى حينئذ مجال لترتيب الأثر عليه، بل يحتاج إلى يقين آخر، فلا يترتب على كل يقين إلا أثر ذاك اليقين في أنه، فحينئذ إذا شمل دليل الاستصحاب للشك التقديري، فيلزم أن يتعبد بعد الالتفات في الآن الثاني بما تعبد به في الآن الأول، فمعاملة اليقين في الآن الأول هو ترتيب أثر ذاك اليقين في آنه ولا يوجب اليقين الأول ترتيب الأثر في الان الثاني، ولنوضح المقام بأكثر من ذلك فنقول إذا حصل في أول الصبح يقين بالحدث فشك في بقائه، فمفاد لا تنقض إنه عامل معه معاملة اليقين ورتب عليه آثاره، فإذا فرضنا إن للمستصحب أثار متعددة طولية منها حرمة الدخول في الصلاة، وهذا الأثر يترتب عليه قبل الدخول في الصلاة، ومنها جواز قطع الصلاة وهذا يترتب عليه في أثناء العمل، ومنها وجوب الإعادة في الوقت والقضاء في خارجه، وهذا يترتب عليه بعد الصلاة، وكل من هذه الآثار تترتب في آنه فأثر الان الأول يزول في الان الثاني، وكذا الأثر الان الثاني يزول في الان الثالث، فهل يكون التعبد باليقين بمجرد حدوثه موجوبا للحكم بوجوب ترتيب الآثار الثلاثة الطولية عليه ولو لم يبق مورد للتعبد، أم لا؟ وقد تقدم ما يدل على إن وجوب اتباع اليقين الوجداني دائر مداره حدوثا وبقاء، وإذ ليس التعبدي أقوى من الوجداني، فلا يكون التعبد به في الان الأول مقتضيا لوجوب ترتيب الآثار البعدية عليه، حتى يصير معارضا للامارة الدالة على الخلاف، إذا عرفت ذلك، فنقول إنه إذا كان للمتيقن بالحدث شك تقديري وشرع في الصلاة ثم بعد إتمام الصلاة تيقن بالطهارة أو قامت أمارة عليها، فحينئذ لا يكون الاستصحاب الأول الذي موضوعه الشك التقديري مفيدا لوجوب الإعادة أو القضاء، حتى يقع التعارض بينه وبين العلم أو العلمي اللاحق، أو يعارض قاعدة الصحة والفراغ عند انتفاء العلم والعلمي، فلا بد لوجوب الإعادة من استصحاب ثان وشك فعلي، ولا ينفع الشك التقديري في المقام، فإن الاستصحابين الأولين خرجا عن محل الابتلاء، فلا بد في كل تعبد من ملاحظة ظرف ذاك التعبد، فلا يكون الامر بالتعبد بالأمس
(١٦٩)