والمنذر يعلم بأنه منذر بالأحكام، وهو موضوع وجوب الحذر على المنذرين بالفتح، مع أن صدق عنوان الانذار بشي أو الاخبار به يحصل بمجرد إنذار المنذر والمخبر بلا توقف على إحراز تحقق المنذر به أو المخبر به، فان الاخبار بقيام زيد يحصل بمجرد قول المخبر: زيد قائم. وإن لم يعلم بتحقق القيام منه في الخارج، بل وإن علم بعدم تحققه، ولذا يتصف الخبر بكل من الصدق والكذب.
ثم إنه إن صح هذا الجواب اتجه على جميع وجوه الاستدلال ولا يختص بالوجهين الأخيرين، وكان لازمه عدم وجوب النفر والانذار إذا علم بعدم حصول العلم للمنذرين، ولو من جهة عدم انضمام إنذار من يحصل بانضمام إنذارهم العلم.
قوله: لا يذهب عليك انه ليس حال الرواة:
يظهر من هذا الجواب ان المصنف لم يصل إلى حقيقة الاشكال، وهو: ان عنوان الرواية انما ينطبق على نقل ما سمعه الشخص من الامام بلفظه أو بمعناه: وعنوان الانذار ينطبق على الاجتهاد في فهم ما سمعه وبذل ما اعتقده، ولو بلفظ يجب ويحرم من غير تصريح بالعقاب، فان ذلك متضمن للوعيد بالعقاب بمدلوله الالتزامي، وكذلك عنوان الانذار ينطبق على التخويف الحاصل من الوعاظ، مع علم المنذرين بأصل الحكم أو تلقيهم له من طريق معتبر عندهم، من اجتهاد أو تقليد، فالراوي بما هو راوي، الذي يراد إثبات حجية روايته في حق مجتهد آخر لا يطلق عليه المنذر، لتكون الآية من أدلة حجية الرواية، كما أنه بما هو منذر، لو انضم إلى روايته الانذار والتخويف، لا يكون إنذاره حجة إلا للعوام، إذ اعتقدوه جامعا للشرائط، فان منذريته تكون متقومة بجهة فهمه للرواية، الذي هو عبارة عن فتواه بمؤداها، وفهمه ليس حجة على مجتهد آخر.
ومن ذلك يظهر ان الاستدلال بالآية على حجية نقل الراوي إذا انضم إلى نقله الانذار، ثم تتميم المدعى في ما لم ينضم بالاجماع في غير موقعه، فإنه في ما إذا انضم، ليس نقله حجة لينضم إليه الاجماع، وإنما الحجة إنذاره، فيختص بمن يجوز له تقليده.