تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ١٢٨
والجواب عن احتجاجه الأول: أنا قد بينا أن الوجوب هو المتبادر من إطلاق الأمر عرفا، ثم إن مجرد استعمالها في الندب لا يقتضي كونه حقيقة أيضا، بل يكون مجازا; لوجود أماراته، وكونه خيرا من الاشتراك، وقوله: " إن استعمال اللفظة الواحدة في الشيئين أو الأشياء كاستعمالها في الشيء الواحد في الدلالة على الحقيقة "، إنما يصح إذا تساوت نسبة اللفظة إلى الشيئين أو الأشياء في الاستعمال، أما مع التفاوت بالتبادر وعدمه أو بما أشبه هذا من علامات الحقيقة والمجاز، فلا. وقد بينا ثبوت التفاوت.
____________________
ومنها: قوله: " وهذا يدل على قيام الحجة عليهم بذلك، حتى جرت عادتهم " فإن مراده بالحجة إنما هو القرينة المعينة للمراد، وإلا لكان منافيا لما ادعاه أولا من التبادر لو نزلنا كلامه إليه، لأن التبادر مع ضميمة حجة خارجية لا يقضي بالمطلوب، مضافا إلى عدم افتقاره بعد دعوى التبادر إلى بيان تلك المقدمة، فيكون ذلك قرينة واضحة على أنه ليس بصدد دعوى التبادر، بل غرضه عن مجموع كلامه أن من حمل الصحابة وعملهم يستكشف عن بلوغ قرينة إليهم دلتهم على تعيين الوجوب في إرادة الشارع، وأقوى ما يقضي بذلك أيضا قوله - بعد ما ذكر -: " وخرجوا عما يقتضيه مجرد وضع اللغة في هذا الباب " فإن مقتضى وضع اللغة مع التجرد عن القرينة إنما هو الوقف كما هو الحال في سائر المشتركات، فيكون حملهم المنافي للوقف دليلا واضحا على وجود قرينة معينة للوجوب لديهم قد اختفت علينا لأجل الحوادث والعوارض.
وبالجملة: لا نفهم من السيد قولا آخر في الصيغة بحسب عرف الشرع، وإنما يقول بالوجوب فيه نظير ما يقوله كافة الأصحاب وأرباب سائر الأقوال من دعوى قيام الدليل على وجوب حمل الأوامر في كلام الشارع على الوجوب، وإن لم يكن مما يقتضيه أصل اللغة، غاية الفرق بينه وبين غيره أنه يجعله بحسب اللغة مشتركا لفظيا بينه وبين الندب، وغيره بين من يجعله مشتركا معنويا ومن يجعله حقيقة خاصة في الأول، ومن يجعله حقيقة خاصة في الندب وهكذا إلى سائر الأقوال.
هذا بناء على استفادة هذا المذهب منه عن الاحتجاج المذكور لو كان عين عبارته،
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 134 ... » »»