تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ١٣٢

____________________
وأما البناء على الاستحباب من جهة ضعف الرواية وقصورها عن إثبات الوجوب للتسامح في أدلة السنن فمما لا ربط له بالمقام، وكذا حمل الرواية على الندب عند التعارض بمجرد ترجيح إعمال الدليلين على طرح أحدهما من غير أن يحصل هناك فهم عرفي يقضي بذلك [كما ذهب إليه البعض] فذكر ذلك في المقام ليس على ما ينبغي، لوضوح خروجه عن محل الكلام، إذ ليس شيء من ذلك قرينة متصلة ولا منفصلة على إرادة الندب من اللفظ.
والمفروض في كلام المصنف شيوع استعمال الأوامر في الندب، وأين ذلك مما ذكر.
فأجاب عنه (1) ذلك الفاضل أولا: بأن المعتبر في الغلبة الباعثة على الوقف أو الصرف هو ما إذا كانت قاضية بفهم المعنى المجازي مع الإطلاق، وكونه في درجة الظهور مكافئا للمعنى الحقيقي حتى يتردد الذهن بينهما أو يكون راجحا على معناه الحقيقي، وحصول ذلك في أخبارهم [(عليهم السلام)] غير ظاهر، بل من الظاهر خلافه، إذ الظاهر أن الأوامر الواردة عنهم على نحو سائر الأوامر الواقعة في العرف والعادة، والمفهوم منها في كلامهم هو المفهوم منها في العرف.
ويشهد له ملاحظة الإجماع المذكور في كلام السيد وغيره، فإنه يشمل كلام الأئمة (عليهم السلام)، وملاحظة طريقة العلماء في حمل الأوامر على الوجوب كافية في ذلك، ولم نجد الدعوى المذكورة في كلام أحد من متقدمي الأصحاب مع قرب عهدهم ووفور اطلاعهم (2).
ومع الغض عن ذلك، فالشهرة المدعاة إما بالنسبة إلى أعصارهم (عليهم السلام) ليكون اللفظ مجازا مشهورا في الندب عند أهل العرف في تلك الأزمنة، أو بالنسبة إلى خصوص الأوامر الواردة عنهم (عليهم السلام) فيكون مجازا مشهورا في خصوص ألسنتهم (عليهم السلام) دون غيرهم.
وعلى الثاني فإما أن يكون الشهرة حاصلة بملاحظة مجموع أخبارهم المأثورة عنهم (عليهم السلام)، أو بملاحظة الأخبار المروية عن بعضهم، أو بالنسبة إلى كلام كل واحد منهم ليكون الاشتهار حاصلا في كلام كل واحد منهم استقلالا.

(1) أي عن دعوى المصنف (رحمه الله).
(2) هكذا عقيب تلك العبارة في هداية المسترشدين: " بل لم نجد ذلك في كلام أحد ممن تقدم على المصنف، ولو تحققت الغلبة المذكورة لكان أولئك أولى بمعرفتها. فاتفاقهم على حملها على الوجوب كاشف عن فساد تلك الدعوى، بل في بعض الأخبار الواردة عنهم (عليهم السلام) دلالة على خلاف ذلك حسب ما مرت الإشارة إليه " ولعل المصنف (رحمه الله) أسقطها تلخيصا والله العالم.
(١٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 127 128 129 130 131 132 134 137 138 139 144 ... » »»