تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ١٠٩
واحتج القائلون بأنه للندب بوجهين:
أحدهما قوله (صلى الله عليه وآله): " إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم " *. وجه الدلالة: أنه يرد الإتيان بالمأمور به إلى مشيتنا وهو معنى الندب * *.
____________________
الخبر ثبوت المعنى المصدري للمخبر عنه ونقيضه خلاف ذلك، ومعنى كونه مانعا عن ذلك كون مدلوله هو الأول، ضرورة أنه يستلزم ممنوعية الثاني، وهذا المعنى بعينه موجود في الصيغة إذا كانت للندب، فإن معناها حينئذ طلب إيجاد الفعل بعنوان أن تركه مرضى به، ونقيضه انتفاء ذلك الطلب والأول مانع عن الثاني جزما، كما أن مدلولها إذا كانت للوجوب طلب إيجاد ذلك الفعل بعنوان الحتم والإلزام، وهو مانع عن نقيضه وهو انتفاء الطلب بالمرة.
* واعلم أن هذه فقرة مذكورة في ذيل رواية نقلها بعض الفضلاء مرسلة، وهي - على ما في كلامه - أنه خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: إن الله كتب عليكم الحج، فقام عكاشة ويروى سوادة بن مالك فقال: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثا، فقال: ويحك وما يؤمنك أن أقول: نعم؟ والله لو قلت: نعم لوجب، ولو وجب ما استطعتم، ولو تركتم لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، وإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم إلى أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه.
* * ولا يخفى أن الاستدلال بذلك إنما يتم بإحراز مقدمات:
أحدها: إرادة العموم من لفظة " إذا " لكون الأمر الذي مرادا به الندب في الجملة مما لا نزاع فيه حتى يفتقر إلى الاستدلال، مع عدم قضائه على هذا التقدير بما هو المدعى في المقام.
وثانيتها: كون المراد بالأمر الندب أو الطلب المطلق، أو الصيغة الدالة على أحدهما، لئلا يلزم التناقض بينه لو أريد به الوجوب أو الصيغة الدالة عليه وبين قوله: " ما استطعتم " على تقدير إرادة المشية منها، ضرورة تنافي التعليق على المشية للوجوب المانع عن النقيض.
وثالثتها: كون المراد بقوله: " فأتوا " الندب ليتم التقريب، ويندفع التنافي بينه لو أريد به الوجوب وبين الأوامر التي أريد منها الندب كما هو الفرض.
ورابعتها: كون لفظة " ما " مصدرية أو كانت موصولة أو موصوفة، مع كون المراد ب‍ " شيء " كل له أجزاء لا كلي له أفراد، سواء كانت كلمة " من " ابتدائية أو تبعيضية، إذ لو كانت موصولة أو موصوفة مع كون المراد ب‍ " الشيء " كلي له أفراد لكان مفادها التخيير بين
(١٠٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 100 101 104 105 107 109 110 111 112 113 114 ... » »»