تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٩١
قلنا: المتبادر إلى الفهم من المخالفة هو ترك الامتثال والاتيان بالمأمور به. وأما المعنى الذي ذكرتموه فبعيد عن الفهم، غير متبادر عند إطلاق اللفظ; فلا يصار إليه إلا بدليل. وكأنها في الآية اعتبرت متضمنة معنى الإعراض، فعديت ب‍ " عن " *.
____________________
كالصريح، بل قوله: ﴿فليحذر الذين يخالفون عن أمره﴾ (1) صريح في تعليق الحكم على الوصف، فيقضي بعلية مأخذ الاشتقاق.
وبذلك يندفع أيضا ما قيل من احتمال أن يراد بالمخالفة الحكم على خلاف ما أمر الله تعالى به، كما هو إطلاق معروف في مخالفة بعض الناس لبعض، فإنه مبنى على إرادة المأمور به من " الأمر " وهو مجاز لا يصار إليه إلا مع دليل، ولا دليل ومجرد الاحتمال غير كاف في الانصراف عن أصالة الحقيقة.
كما يندفع أيضا ما قيل من احتمال كون الموصول مفعولا ل‍ " يحذر " ويكون الفاعل مستترا فيه عائدا إلى السابق، فيكون المقصود بيان الحذر عن الذين يخالفون عن أمره لا وجوب الحذر عليهم، ليفيد استحقاقهم للعذاب من أجل مخالفتهم، فإن الحذر لا يتعدى بنفسه، فينافيه تجرد الموصول عما يناسب ذلك من الحروف، مع فقد المقام عما يصلح مرجعا لضمير الفاعل، فيدور الأمر بين جعل المعمول فاعلا أو مفعولا، والأول أولى كما هو المصرح به في كلامهم، مع أنه غير مناف للمطلوب أصلا بل مؤكد له، فإن مخالفة " الأمر " لولاها غير جائزة لهم لما استحقوا لأن يحذر غيرهم عنهم بإصابة الفتنة أو العذاب الأليم.
ومن البين أن ذلك بالنسبة إليهم في أعلى درجة الذم والتوبيخ، وهو آية الوجوب.
ألا ترى أن النهي عن مجاورة شارب الخمر وغيره من العصاة كما ورد في كثير من الأخبار تعليلا بأن لا يعم البلاء أو العذاب النازل إليهم، يفيد استحقاقهم للعذاب القاضي بحرمة ما كانوا يفعلون، ومثله الآية لو صح الاحتمال المذكور فيها.
* وهذا مما أخذه المصنف تقريبا للاستدلال أو متمما له، مع أن المانعين عن الاستدلال أخذوه موجبا للنقض، بتقريب: أن المخالفة مما يتعدى بنفسه وتعديتها في الآية

(٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 86 87 88 89 90 91 92 93 96 98 99 ... » »»