تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ١٠٥

____________________
بناء العرف وأهل اللسان، والظن الذي قام الدليلان على اعتباره ما إذا تعلق بوصف التبادر وهو كونه من حاق اللفظ ناشئا عن الأصول الاجتهادية لا ما إذا تعلق بذاته، بل الظاهر من طريقة القوم بل العرف لزوم القطع به، فلذا يوجبون الفحص التام عند العمل بالتبادر وغيره من الأمارات، فتأمل جدا (1).
وثالثها: إجماع الصحابة على الاحتجاج بالأوامر الواردة في الشريعة كتابا وسنة من غير نكير على الوجوب، كما حكاه في النهاية وحكى نقله عن جماعة من الخاصة والعامة، بتقريب: أنه كاشف عن فهمهم الوجوب منها، فهو الحجة في اللغات لكونهم من أهل اللسان، ثم بضميمة أصالة عدم النقل ونحوها يتم المدعى، كما أن احتمال استناد فهمهم إلى الخارج من اللفظ يندفع بالأصل، فلا يرد عليه ما تقدم في كلام بعض الأفاضل من أن قضية الإجماع المذكور انصراف " الأمر " إلى الوجوب وهو كما عرفت أعم من وضعه له.
وأما المناقشة فيه تارة: بكونه إجماعا سكوتيا فلا عبرة به، وأخرى: بكونه منقولا بالآحاد فلا يفيد العلم.
فيدفعها: ما أشرنا إليه من أن التمسك به إنما هو لكشفه عن الحجة في المقام، لا لأنه بنفسه دليل حتى يقدح فيه كونه سكوتيا، فإن الفهم من أهل اللسان حجة ولو من واحد منهم فلا حاجة إلى كونه من الكل حتى يمنع عن تحققه بالقدح المذكور، وكونه منقولا بالآحاد إنما يقدح في حصول العلم بالمجمع عليه لا ما هو معتبر في اللغات وهو الظن، إلا أن يؤول ذلك إلى منع اعتبار الظن في صغرى القياس أيضا كما تقدم، لأن الظن بالإجماع هاهنا ظن بأصل الفهم.
ثم إن في المقام وجوها أخر أستدل بها، ولكن كلها واهية جدا لا ينبغي التعويل عليها. منها: قول النبي (صلى الله عليه وآله) لبريرة التي كانت جارية لعائشة، وقد زوجتها من عبد فلما أعتقتها وعلمت بخيارها في نكاحها وهي كارهة لزوجها، فأرادت مفارقته فاشتكى إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال (صلى الله عليه وآله): " ارجعي إلى زوجك فإنه أبو ولدك، وله عليك حق فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك؟ فقال: لا إنما أنا شافع، فقالت: لا حاجة لي فيه " بتقريب: أنه (صلى الله عليه وآله) نفى " الأمر " وأثبت الشفاعة الدالة على الندبية، فلو كان " الأمر " حقيقة في الندب لما كان لذلك وجه كما لا يخفى.

(1) وجه التأمل: أن الفحص الذي يوجبه القوم في العمل بالتبادر ونحوه، إنما هو لتحقيق وصف التبادر على طريق العلم أو الظن لا لتحقيق أصله، فلعل الظن بالتبادر كاف عندهم وفيه إشكال واضح (منه عفى عنه).
(١٠٥)
مفاتيح البحث: الظنّ (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 98 99 100 101 104 105 107 109 110 111 112 ... » »»