تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٤٣
الرابع: قوله تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) فإن المراد بالمغفرة سببها، وهو فعل المأمور به *، لا حقيقتها، لأنها فعل الله سبحانه، فيستحيل مسارعة العبد إليها * *،
____________________
المراد، فلا ينافي إطلاق الأمر بحسب الوضع ولا يصلح دليلا على الوضع جدا، فالمطلوب غير ثابت به وما ثبت غير مطلوب كما لا يخفى.
وبجميع ما ذكرنا يظهر الجواب عن التقرير الآخر من الاستدلال المتقدم ذكره، بل عن التقرير الثالث المتقدم ذكره عن بعض الفضلاء.
وأما ما عن بعضهم أيضا من الاستدلال على وجوب الفور بأن ظاهر تخصيص الزمان الأول بإلقاء صيغة الخطاب أنه لا ميدان يتسع لها وإلا أخرها، وأن الأزمنة متساوية في حسن الترك فيها مع عدمه فيلزم الاهمال، وأن المريد للشيء يتأكد داعيه ويكثر حرصه على المبادرة إليه قضاء لحق الحب وامتثالا لأمر سلطان الهوى، وإن أكثر أفراد المطلق وأشهرها وأكملها وأظهرها إرادة المبادرة، فلا ينبغي الالتفات إليه في شيء من وجوهه.
* ومحصل الاستدلال: أن هيئة " سارعوا " تدل على الوجوب ومادته على الفور والتعجيل، والهيئة إذا عرضت للمادة يكون مفاد المجموع وجوب الفور والمسارعة إلى المغفرة، إلا أن المغفرة لما كانت فعل الرب والمسارعة من فعل العبد ولا ارتباط بينهما فالقرينة العقلية قائمة على عدم إرادة ظاهر الآية حذرا عن لزوم التكليف بما لا يطاق، فلابد من تأويل فيها بحمل المسارعة إلى المغفرة على المسارعة إلى سببها وهو فعل المأمور به من باب الإضمار، بتقدير لفظ " السبب " مضافا إلى المغفرة، أو التجوز بإطلاق المسبب على السبب وتسمية السبب باسم المسبب.
وعلى كل تقدير يحصل من الآية كبرى كلية منضمة إلى صغرى نظرية مستفادة مما دل على أن الطاعات أسباب لزوال الذنوب كما أن التوبة سبب له فيقال: فعل المأمور به سبب من أسباب المغفرة، وكل سبب من أسباب المغفرة يجب المسارعة إليه، فينتج بأن فعل المأمور به يجب المسارعة إليه، وهو المطلوب.
* * وقد يناقش في ذلك: بأن مجرد كون المغفرة فعل الله لا يقضي بامتناع المسارعة إليها، إذ لا مانع من المسارعة إلى فعل الغير بأن يجعل نفسه مشمولا لفعله، كما تقول:
" سارعوا إلى ضيافة السلطان وإلى إكرامه وإلى إنعامه " ونحوها.
(٢٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 241 242 243 244 245 247 248 249 ... » »»