تعليقة على معالم الأصول - السيد علي الموسوي القزويني - ج ٣ - الصفحة ٢٤٩

____________________
إلى أن أحد الأسباب فيه التوبة التي فوريتها مجمع عليها - فلا يفيد إلا فورية أحدها، وهو لا يستلزم المطلوب.
وفيه: منع أصل القاعدة أولا، لعدم انحصار فائدة وصف النكرة بصفة الجنس في إفادة العموم، بل قد تكون لغيرها كإفادة التعظيم والترغيب وغيرها، ولعل المقام منه، ومنع كون المقام من باب التوصيف بصفة الجنس ثانيا، فإن المغفرة قد تكون من فعل غيره سبحانه كما قيل، مع أنه يلزم من إرادة العموم شمول الحكم لما لا يعقل فيه وجوب الفور كالمستحبات، ولما لا يجب فيه الفور إجماعا كالموسعات الموقتة وغيرها، فلابد من حمل الأمر على الندب ليندفع به المحذور.
وحمله على القدر الجامع من باب عموم المجاز لدفع ذلك المحذور كما في " اغتسل للجمعة وللزيارة وللجنابة ولمس الميت " وغير ذلك وإن كان صحيحا إلا أنه مرجوح بالقياس إلى الندب، لشيوع إطلاقه عليه شرعا - بل عرفا - بحيث بلغ في الشيوع حدا زعمه المصنف وغيره من المجازات الراجحة المساوي احتمالها لاحتمال الحقيقة.
ويؤيده الذوق والاعتبار القاضيين بإرادة الندب والإرشاد في أمثال المقام، كما في قوله تعالى: ﴿أطيعوا الله وأطيعوا الرسول﴾ (1) ولدفع المحذور وإن كان ارتكاب التخصيص مجديا إلا أنه لا مسرح له في المقام، لكونه بمرجوحية تخصيص الأكثر جدا مرجوحا في مقابلة ما ذكر من التجوز، فلا يرد أنه في مقام المعارضة مقدم على المجاز كما قرر في محله.
وبما ذكرنا ينقدح الجواب عن العموم لو أريد إثباته بدليل الحكمة، التفاتا إلى أن سبب المغفرة لا يحمل على المعين حيث لا عهد ولا تعيين، ولا على غيره لئلا يلزم الإغراء بالجهل، فيحمل على الجميع وهو المطلوب.
مضافا إلى أن قاعدة الحكمة إنما تجري في موضع التواطي، لأن من مقدماتها انتفاء العهد وفقدان ما يصلح للتعيين فمع التشكيك الموجب لظهور بعض الأفراد لا مجرى لها، لصلوح الظهور في البعض لكون معينا، فلذلك تراهم ينزلون المطلقات المشككة على أفرادها الشائعة، والمقام منه ضرورة كون التوبة أظهر الأفراد وأشيعها مع كون سببيتها للمغفرة وفوريتها مجمعا عليهما، فتحمل الآية عليها من دون افتقار إلى إحراز العموم المستلزم لمحاذير أخر.

(٢٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 243 244 245 247 248 249 250 251 252 253 256 ... » »»