الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٨٠
أنواع الحيوان في ذلك باختلاف أمزجتها وتفاوت جثتها فإن منها ما يتسارع إليه الفساد بمصادمة بعض العوارض ومنها ما ليس كذلك ومثله بقاء الرطوبة فإن قضية وجودها البقاء عادة ما لم يؤثر في زوالها رافع كالهواء والحرارة وإلى ما ذكرنا ينظر حكم الأصحاب بحياة المفقود في أطول زمان يمكن عيش الانسان فيه عادة ولو كان الامر كما زعمه لزم أن يعتبر أطول زمان يمكن أن يعيش أضعف الناس فيه عادة لاختلاف أمزجة الناس بالقوة والضعف المؤثر في اختلافهم في أهلية البقاء كثرة وقلة كاختلاف أمزجة الحيوانات المؤثر في اختلافها في أهلية البقاء ويتفرع على هذا الأصل فروع كثيرة منها ما لو علم بإصابة بول أو مني للثوب أو البدن ثم غسله غسلة يعلم بزواله بها لو كان بولا ويحتمل لو كان منيا فعلى ما ذكرنا يستصحب النجاسة وعلى ما ذكره لا يستصحب ومنها ما لو خرج من فرج الخنثى المشكل دم بحيث لو كان امرأة لحكم بكونه حيضا فعلى ما ذكرنا يستصحب طهارته وعلى ما ذكره لا يستصحب ومثله الكلام فيما لو حصل الايلاج بحسب أحد فرجيه أو خرج منه مني وكذا لو علم بالطهارة الحدثية ثم وجد الماء وشك في كونها مائية أو ترابية وكذا لو تزوج امرأة ثم شك في كونها متعة أو دواما ثم وهبها المدة ففي المدة تستصحب الزوجية وبعدها يرجع إلى القسم السابق إلى غير ذلك ثم مستندنا على جريان الاستصحاب في هذه الموارد ونظائرها عموم أخبار الباب السالم عن المعارض ولعل المانع المذكور ينظر إلى أن حجية الاستصحاب مبنية على إفادته الظن ولا ظن بالبقاء هناك وقد عرفت مما حققناه فساد هذا الدليل وعدم التعويل عليه مع أن كلية المقدمة الثانية أيضا ممنوعة ثم حكى المعاصر المذكور ما حكى له بعض سادات الأفاضل من مخاصمة جرت بينه وبين بعض علماء اليهود حيث تمسك العالم اليهودي على إثبات دينه باستصحاب نبوة موسى عليه السلام لاعتراف المسلمين على أصل ثبوتها وحقيتها قال فعلى المسلمين إقامة الدليل على ارتفاعها وانقطاعها وهذه الشبهة قد أشار إليها الجاثليق على إثبات نبوة عيسى عليه السلام في مجلس المأمون فأجابه الرضا عليه السلام بأني مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وما أقرت به الحواريون وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وكتابه ولم يبشر به أمته فأجابه الفاضل المذكور على حسب ذلك بأنا نقول بنبوة موسى الذي أقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله ولا نقول بنبوة كل موسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله فاعترضه اليهودي بأن موسى بن عمران الذي حاله معهود وشخصه معروف قد ادعى النبوة وجاء بدين وشريعة و أنتم تعترفون بصحتها وحقيقتها ولا يتفاوت ثبوت ذلك بين أن يقول بنبوة محمد صلى الله عليه وآله أو لا يقول بها فنحن نقول بأن نبوة الشخص المعهود قد ثبت فيكون باقية بحكم الاستصحاب فعليكم بإبطاله ثم قال المعاصر المذكور فتأملت هوينا فقلت في إبطال الاستصحاب بعد فرض تسليم جواز التمسك به في أصول الدين أن موضوع الاستصحاب لا بد أن يكون متعينا حتى يجري على منواله و لم يتعين هنا إلا النبوة في الجملة وهي كلي من حيث إنها قابلة لان تكون نبوة إلى آخر الأبد أو إلى زمن محمد صلى الله عليه وآله أو تكون مطلقة مجردة عن القيدين فعلى الخصم أن يثبت إما التصريح بالامتداد إلى آخر الأبد أو الاطلاق ولا سبيل إلى الأول مع أنه خارج عن محل الفرض ولا إلى الثاني لان الاطلاق في معنى القيد فلا بد من إثباته ومن الواضح أن مطلق النبوة غير النبوة المطلقة والذي يمكن استصحابه هو الثاني دون الأول إذ الكلي لا يمكن استصحابه إلا بما يمكن من بقاء أقل أفراده بقاء فإن قيل البناء على ذلك يوجب عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية إلا إذا وردت بطريق الدوام والاستمرار وهو في محل المنع قلنا الاستقراء قاض بأن أكثر الأحكام الشرعية التي ليست بمحدودة وردت مطلقة وأن المراد من تلك المطلقات الدوام والاستمرار إلى أن يثبت الرافع ولا يرد مثل ذلك في حكاية النبوة لان الغالب في أمر النبوة التحديد ولا يشكل ذلك باستمرار نبوة نبينا صلى الله عليه وآله لأنا لا نقول به من جهة الاستصحاب بل للأدلة الخاصة من الكتاب والسنة فإن قيل قولكم بالنسخ يعين الاطلاق في النبوة قلنا إبطالنا لقول اليهود ببطلان النسخ من باب المماشاة معهم في عدم تسليم التحديد وإلا فالتحقيق أن موسى و عيسى أخبرا بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وكتابهما ناطق به لا أن نبوتهما كانت مطلقة ونحن نبطلها بالنسخ لا يقال أحكام شريعتهم ثابتة بمطلقات والنسخ يتعلق بالأحكام دون النبوة لأنا نقول إطلاق الاحكام لا يجدي بعد تصريحهما برسالة من بعدهما إذ قضية ذلك قبول رسالته وبعد قبولها لا معنى لاستصحاب الاحكام هذا ملخص كلامه ووجوه فساده غير خفي أما أولا فلان منعه من حجية الاستصحاب في إبقاء شريعة التي لم يعلم نسخها وارتفاعها كما يرشد إليه قوله بعد فرض تسليم إلخ غير سديد لان شرائع الأنبياء السلف وإن لم تثبت على سبيل الاستمرار لكنها لم تكن في الظاهر محدودة بزمن معين بل بمجئ النبي اللاحق ولا ريب أنها حينئذ تستصحب ما لم تثبت نبوة اللاحق ولولا ذلك لاختل على الأمم السابقة [السالفة] نظام شرائعهم من حيث تجويزهم في كل عهد وأو آن ظهور نبي ولو في الأماكن البعيدة ونسخه لشريعتهم فلا يستقر لهم البناء على شئ من أحكامها ودعوى أن شرائعهم كانت محدودة في الظاهر بغاية زمانية معلومة بحيث يمتنع توجه النسخ إليها في تلك المدة وكان الكل عالمين بذلك مجازفة بينة ومكابرة واضحة وأما ثانيا فلان ما ذكره من أن الاطلاق أيضا قيد ولا بد من إثباته ليس بشئ لان مرجع الاطلاق إلى عدم ذكر القيد وهو على مقتضى الأصل لا يحتاج إلى إثبات وإنما يحتاج خلافه إلى إثبات فإن قلت التقييد بعدم القيد أمر حادث والأصل عدمه قلت
(٣٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 375 376 377 378 379 380 381 382 383 384 385 ... » »»