الفصول الغروية في الأصول الفقهية - الشيخ محمد حسين الحائري - الصفحة ٣٨٢
في المذكورات عقلا نظرا إلى تعدد فصولها المتقومة بها الموجبة لتعدد الحقيقة إلا أنها بحسب العرف تعدد الحقيقة واحدة ويعد الاختلاف الطاري عليها من باب الاختلاف في الصفات وإن اختلفت الأسامي عندهم بحسب اختلافها فإن الاسم قد يزول ولا يزول حقيقة المسمى وذلك حيث يكون التسمية بإزاء الحقيقة مع صفة من صفاتها شطرا أو شرطا فتزول التسمية بزوال الصفة بخلاف الحقيقة القول في القياس مقدمة القياس في اللغة التقدير يقال قست الأرض بالذراع أي قدرتها به وقد يطلق على الاخذ بطريق المساواة كقولهم لا يقاس فلان بفلان أي لا يؤخذ على وجه المساواة معه وهو راجع إلى المعنى الأول وقد يطلق في الاصطلاح على معنيين الأول القضايا المستلزمة لذاتها قضية أخرى وهذا المعنى متداول عند أهل الميزان الثاني إلحاق فرع بأصل في حكم لقيام علته به عند المجتهد وهذا هو المقصود به هنا والمراد بالأصل معلوم الحكم وبالفرع مجهوله فلا يتوجه الاشكال بلزوم الدور من حيث إن الأصلية والفرعية إنما تعرفان بالقياس فلو توقف معرفة القياس على معرفتهما كان دورا إذ بعد حملهما على المعنى المذكور لا يتوقف معرفتهما على معرفة القياس مع إمكان أن يقال هذا تعريف لفظي لمن عرف معناهما وجهل بمعنى القياس ثم المراد بهما ما يعم الموجود والمعدوم ولا يلزم وجود الصفة بدون الموصوف لان الأصلية والفرعية وصفان اعتباريان ينتزعان من موصوفهما بحسب ظرف الذهن والمعدوم الخارجي موجود فيه والمراد بالحكم المعنى القائم بغيره فيتناول ما إذا كان حكما شرعيا كقياس تحريم بيع الكلب على تحريم بيع الخنزير بجامع نجاسة المبيع أو صفة كقياس زيادة علم الغائب على ذاته بزيادته في حق الشاهد بجامع وجود العلم لهما وإنما قيدنا بكونه عند المجتهد ليدخل القياس الفاسد فإنه يسمى قياسا في الاصطلاح على ما صرح به البعض ثم القياس بهذا المعنى يخرج منه قياس العكس كما نبه بعضهم على خروجه وهو إثبات نقيض حكم معلوم في غيره لافتراقهما في علة الحكم كقولك لو لم يكن الصوم شرطا للاعتكاف في نفسه لم يكن شرطا له عند نذره صائما قياسا له على الصلاة فإنها حيث لم تكن شرطا له في نفسه لم تكن شرطا له حال نذره مصليا فالثابت في الأصل أعني الصلاة عدم الشرطية للاعتكاف والمثبت في الفرع أعني الصوم شرطيته له هذا فإن قيل القياس بالمعنى المذكور مشتمل على شرائط المادة والهيئة فلا يكون دليلا في مصطلح الأصوليين فكيف يعد من الأدلة مع أن إلحاق الفرع بالأصل معناه الحكم بثبوت حكم الأصل في الفرع وهذا يشبه المسائل الفقهية فكيف يجعل من أدلتها قلنا حجية القياس ليست ضرورية بل نظرية لتوقفها على مراعاة الأدلة المقررة فهو من حيث كونه حجة غير مشتمل على مجموع شرائط المادة والهيئة وإن اشتمل عليها من حيث إفادة الظن لكن يشكل ذلك في القياس المفيد للعلم كالقياس بالطريق الأولى فالأولى أن يقال لا يكفي القياس بنفسه في إفادة الحكم الشرعي بل لا بد من انضمام صغرى شخصية إليه كقولنا حكم كذا من مقتضى القياس و كل ما كان من مقتضاه فهو ثابت أو أن إلحاق كذا بكذا في حكم كذا بجامع كذا من قياس كذا وكل ما كان من قياس كذا فهو حجة بالضرورة أو بالنظر فتأمل نعم يتجه الاشكال بالقياس الفاسد فإنه خارج عن موضوع الفن بحسب الظاهر إذ لا يمكن التوصل منه بصحيح النظر فيه مع وقوع البحث عنه وقد سبق الاعتذار عن ذلك عند تحقيق موضوع الفن وإلحاق الفرع بالأصل إن كان بعنوان كلي كقولنا كل فرع فله حكم الأصل كان من الأدلة وإن كان بعنوان جزئي كقولنا حكم النبيذ حكم الخمر كان من مباحث الفقه ولا خفاء في أن المبحوث عنه هنا إنما هو الأول دون الثاني ثم أقول والأشبه أن القياس يطلق على معنيين الأول ما مر من الالحاق وهو بهذا التفسير معنى حدثي يشتق منه تصاريفه كقاس ويقيس وغير ذلك والثاني مشاركة الفرع لأصل في علة الحكم وهو بهذا المعنى لا يشتق منه فعل وعد القياس بهذا المعنى دليلا أقرب من عده بالمعنى الأول دليلا كما لا يخفى لكن لا يساعد عليه حدودهم ثم إنهم ذكروا أن للقياس أركانا أربعة الأصل والفرع والعلة وحكم الأصل وأما حكم الفرع فهو ثمرة القياس فلا يكون من الأركان والظاهر من أخذهم هذه الأمور أركانا للقياس كونها أجزأ له وقد صرح به العضدي و يشكل بعدم مساعدة ظاهر حدودهم على جزئية تلك الأمور بل مقتضاهما أن يكون القياس عبارة عن تعدية خاصة أو إلحاق خاص فيكون مقيدا لا مركبا ثم اختلفوا في تعيين الأصل والفرع هو الحكم في المقيس وقال بعضهم الأصل دليل الحكم في المقيس عليه واختار في الفرع أحد الأقوال المتقدمة وإنما لم يقل أنه دليل الحكم في المقيس لأنه نفس القياس فيلزم اتحاد الشئ مع جزئه أو قيده المباينين له و التحقيق أن لكل وجها لا حرج في عقد الاصطلاح عليه إلا أن المعروف هو الأول وربما يستشكل على بقية الأقوال بأنهم إن اعتبروا محل الحكمين لزم تخميس الأركان على القول الثاني والأخير وإلا لزم تثليثها على القول الثاني ويمكن التفصي بالتزام التفصيل في ذلك عليه ولا سترة عليه فصل علية الحكم العلة إما تامة أو ناقصة فإن كانت ناقصة فلا عبرة بها ما لم ينضم إليها ما يوجب تماميتها فيرجع إلى التامة وهي المتبادر من إطلاقها وأما إن كانت تامة فهي إما أن تكون معلومة ولو بطريق ظني آئل إلى العلم أولا وعلى التقديرين إما أن يكون وجودها في الفرع معلوما كما مر أولا فإن علم بعلية العلية وبوجودها في الفرع على الوجه المذكور ثبت الحكم في الفرع لامتناع تخلف المعلول عن علته ومن هذا الباب قياس الأولوية وتنقيح المناط ومنصوص العلة وإن ظن علية العلة بحدس و شبهه فهو
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»