فهم المخاطب ليكون أوقع في نفسه لا الاستدلال به لأنه صلى الله عليه وآله لا يحكم إلا عن الوحي كما يدل عليه قوله تعالى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى وتنزيله على إرادة تعليم المخاطب طريق الاستنباط أو تقريره عليه ليس بأولى من تنزيله على ما ذكرناه من إرادة التقريب أو النص على العلة المقتضية لعدم الافطار و حصول القضاء ليقاس عليه نظائره مما يشارك في العلة المنصوصة مع أن قوله صلى الله عليه وآله في الرواية الثانية فدين الله أحق بالقضاء يفيد الأولوية ولا نزاع في حجيته لكن يشكل بأن هذه الأولوية ظنية غير مستندة إلى اللفظ الذي نقول بحجيته هي الأولوية القطعية أو المستندة إلى اللفظ إلا أن يقال إنه صلى الله عليه و آله استدل بالأولوية الواقعية لا الأولوية عند السائل فلا إشكال وعلى أحد هذه الوجوه ينزل قول أمير المؤمنين عليه السلام أ توجبون عليه الرجم والجلد ولا توجبون عليه صاعا من ماء وأمثال ذلك مع أن تلك الأخبار مروية بطريق غير معتبر والمسألة إن لم يطالب فيها بالقطع لكونها أصولية فلا أقل من أن يطالب فيها بظن معتبر وهي غير مفيدة له مع معارضتها بأخبار أخر أوضح منها سندا و دلالة كما عرفت فصل اختلف أصحابنا في حجية القياس المنصوص العلة فالمعروف بينهم أنه حجة فيتعدى الحكم إلى موارد العلة وذهب بعضهم كالسيد المرتضى إلى المنع وقد وقع النزاع هنا في مقامين الأول أن التعليل بالعلة المضافة إلى الأصل كقولنا حرمت الخمر إسكارها هل يقتضي عدم مدخلية الإضافة في العلة كإضافة الاسكار إلى الخمر فيكون العلة هو الامر المطلق المتحقق في بقية موارده أو لا فيكون الثابت هو علية المقيد المقصور على الأصل كالاسكار المخصوص بالخمر والنزاع على هذا لفظي لغوي والثاني أنه إذا ثبت علية أمر لحكم في مورد من غير أن يكون لخصوص المورد مدخل فيه فهل يثبت علية له في سائر موارد ثبوته فيتعدى الحكم إليها أو لا بل يقتصر به على مورد الثبوت والنزاع على هذا عقلي معنوي و يظهر من العلامة اختصاص النزاع بالمقام الأول مشعرا بنفيه عن المقام الثاني لكن حكى في المعالم عن السيد مخالفته في المقام الثاني أيضا والعبارة التي حكاها عنه واستشهد بها غير ظاهرة في ذلك كما سننبه عليه وكيف كان فالمختار في المقام الأول ظهور اللفظ في علية المطلق وفي المقام الثاني لزوم تحقق الحكم في موارد تحقق العلة لنا على الأول قضاء العرف والاستعمال به فإن المفهوم من نحو حرمت الخمر لاسكارها أن العلة في التحريم هي الاسكار المطلق المتحقق فيها من غير أن يكون للخصوصية مدخل في ذلك وكذا الحال في نظائره أ لا ترى أن قول الطبيب لا تأكل هذا الشئ لأنه حار أو يابس يدل عرفا على المنع من أكل كل حار أو يابس دون خصوص الشئ المذكور وقول النحوي زيد في ضرب زيد مرفوع لأنه فاعل يدل على رفع كل فاعل دون خصوص لفظ زيد إلى غير ذلك حجة الخصم أن إضافة الاسكار إلى ضمير الخمر تفيد التقييد بها وعلية المقيد لا تستلزم علية المطلق وأيضا الاسكار اسم معنى و إضافته تفيد الاختصاص على ما سبق التنبيه عليه في أوائل الكتاب فيكون مفاد التعليل علية الاسكار المختص بالخمر فلا يتعدى إلى إسكار غيرها والجواب أنه لا كلام في أن علة تحريم الخمر الاسكار المقيد بها أو المختص بها بمعنى عدم مشاركة إسكار غير الخمر في حصوله فيها وإنما الكلام في أن عليته هل هي من حيث كونه إسكارا مطلقا أو إسكارا مقيدا أو مختصا وقد عرفت أن المتبادر منه عرفا هو الأول فيجب التعويل عليه وإن كان قضية الجمود على ظاهر التركيب هو الثاني أو التوقف بينه وبين الأول ولنا على المقام الثاني أنه إذا ثبت علية أمر لحكم علية تامة وجب ثبوته في جميع موارده إذ لو انفك عنه لكان إما من جهة اشتراطه بأمر غير حاصل كعدم حصوله في ذلك المورد أو عدم حصول أمر آخر فيه فيلزم عدم تمامية العلة وقد فرضناها تامة أولا فيلزم تخلف المعلول عن علته التامة وكلاهما متضح الاستحالة احتج السيد رحمه الله بأن علل الشرع إنما تنبئ عن الدواعي إلى الفعل أو عن وجه المصلحة فيه وقد يشترك الشيئان في صفة واحدة و يكون في أحدهما داعية إلى فعله دون الاخر مع ثبوتها فيه وقد تكون مثل المصلحة مفسدة وقد يدعوا الشئ إلى غيره في حال دون حال وعلى وجه دون وجه وقدر منه دون قدر قال وهذا باب في الدواعي معروف ولهذا جاز أن يعطى لوجه الاحسان فقير دون فقير و درهم دون درهم وفي حال دون أخرى وإن كان فيما لم نفعله الوجه الذي لأجله فعلنا بعينه ثم قال إذا صحت هذه الجملة لم يكن في النص على العلة ما يوجب التخطي والقياس وجري النص على العلة مجرى النص على الحكم في قصره على موضعه وليس لاحد أن يقول إذا لم يوجب بالنص على العلة التخطي كان عبثا وذلك أنه يفيدنا ما لم تكن نعلمه لولاه وهو ما له كان هذا الفعل المعين مصلحة هذا كلامه على ما حكاه في المعالم ودلالته على المخالفة في المقام الثاني غير واضحة إذ محصل كلامه أن تأثير الشئ مما يختلف باختلاف المحال والمواد فقد يؤثر الشئ في محل دون آخر في مادة دون أخرى وهذا صالح للتنزيل على المنع في المقام الأول بحمله على المنع من استلزام علية العلة للحكم في موارد عليتها له في سائر الموارد سواء حمل العلة في كلامه على العلة التامة كما هو الظاهر من إطلاقها بل في بيانه ما ينبه عليه أو العلة الناقصة أو الأعم منها ومن التامة فتعتبر العلية على الأول بالنسبة إلى الامر المقيد بالمورد الخاص ولا ريب أن عليتها مع انضمام الخصوصية تامة وتعتبر على الأخيرين بالنسبة إلى الامر المطلق وعلى المنع في المقام الثاني بحمله على المنع من استلزام علية العلة للحكم في مورد عليتها له في
(٣٨٤)